بقلم: جاد الحقلا شك أن خارطة العالم المسلم بعد الربيع العربي ليست نفسها قبله، بل إن الربيع العربي يكاد يكون حادثة تؤرّخ بها الأحداث كاكتشاف الكتابة، وفيل أبرهة.الربيع العربي منعطف زمني هام انفجر به بركان الكبت للشعوب المسلمة بكل ما فيه من مشاكل سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية، ليحرق بشواظه وحممه أنظمة حاكمة لطالما كانت سياطاً بيد الدول المستعمرة تلسع ظهور الشعوب.سقطت حكومات مستبدة كنا نظنها كإبليس مُنظَرة إلى يوم يبعثون، وتحطمت أصنام حكام تتوارث تقديسها الأجيال كابراً عن كابر، والأهم من ذلك ولدت أجيال ذاقت طعم التحرر والكفاح فلن ترضَ بعدها بالذل.لن نتحدث عن حال الدول والشعوب التي ثارت، بل سنلقي الضوء على بعض من تلك التي لم تثر ونحاول أن نخمّن مستقبلها.الإمارات، تلك الدولة الثرية المترفة، التي تعد الآن كبغداد في العصور الوسطى، حكومتها من أشد الحكومات المعادية للثورات والحركات التحررية.الإمارات دينياً استوفت كل الشروط الملزمة للعقاب الإلهي، كانتشار اللهو والترف والدعارة واللواط والخمور والربا، ناهيك عن حرب أي داعية أو مصلح سواء كان فرداً أم جماعة.أما دنيوياً فبنظرة فاحصة لنسيجها الاجتماعي تجد نسبة كبيرة من الشيعة، تلك الطائفة التي حيث ما حلّت تجد الخراب والإفساد، وهذه الطائفة تخنق البلد اقتصادياً شيئاً فشيئاً، وتتسلّل قوتها لتسيطر على الدولة والمجتمع كاستراتيجية الماء المنساب، بهدوء وروية لكي لا تثير انتباه أو تحفظ أحد.لكن الأخطر هو مليون ونصف هندوسي من أصل تسع ملايين مواطن ومقيم، هؤلاء الهندوس يُستَقدَمون كعمالة رخيصة ليعيشوا أسوء الظروف، وفي زيارة لرئيس وزراء الهند ألقى خطاباً جماهيرياً بالجالية الهندوسية قال فيه ” إني أرى في الإمارات هنداً صغيرة “.قد تنفجر هذه الطائفة الناقمة دينياً على الإسلام، والأهم اجتماعياً على طبقة الكُفلاء والأثرياء التي تستعبدها، بثورة اجتماعية أشبه ما تكون بثورة الزنج والقرامطة في العراق في العصر العباسي.وفي مقابلة لحسن الدقي الأمين العام لحزب الأمة المعارض للحكومات الخليجية مع الصحفي المصري صابر مشهور، أسهب في الكلام عن نشاط الجمعيات والمدارس التبشيرية في صفوف شباب وفتيات الشعب الإماراتي مقيمين ومواطنين، إضافة لانتشار النوادي الماسونية كالروتاري والليونز بدعم مباشر وتشجيع من الحكومة.أيضاً تطرق في كلامه عن العقود الموقعة بين حكومة الإمارات وبين الشركات الأمنية العالمية كشركة ” بلاك ووتر ” صاحبة الصولات والجولات الإجرامية في العراق وأفغانستان، وذلك نتيجة خوف حكومة الإمارات من انتفاضة شعبية يدعمها الجيش، أو تحرك وطني من الجيش يدعمه الشعب ليطيح بالحكومة.مما يذكر أيضاً أن حكومة الإمارات مفرطة الحساسية من كل ما يوصل لانتقاد السلطة، فليست ترى فقط في السلفية الجهادية عدواً، بل ” الشيطان الأكبر” في نظرها، هو جماعة الإخوان المسلمين، وذلك لأسباب عديدة، منها أقدمية جماعة الإخوان وتراثها العريق، حيث تعتبر الجماعة الأم لكل الجماعات الإسلامية المعاصرة، خاصة التي اصطدمت بالحكومات، ووجود العديد من الرموز الشعبوية المنتسبة لمدرسة الجماعة الفكرية والتي لها كلمة بين الجماهير، إضافة لأن اتجاه الإخوان فكري أكثر منه عسكري، مما يناسب طبيعة الشعب الإماراتي المترف الذي يميل للفكر السياسي والثقافي، أكثر من ميله للعسكرة وحمل السلاح.كره الحكومة الإماراتية للإخوان جعلها تقف بقوة مع كل من يحارب هذه الجماعة وما يتفرع عنها، أو تربطه بها أدنى صلة سواء كان شخصاً أم حزباً أم جماعة، وهذا ما يفسر دعم الإمارات اللامتناهي للسيسي وحفتر ودحلان وبشار الأسد.ولكي تقطع الحكومة الإماراتية الطريق على أي عملية تغيير سياسي، قامت بتجفيف منابع التغيير عبر استبدال الفكر السلفي المنتشر في الخليج، والذي بعض مدارسه السلفية الجهادية التي ترى حكومات الدول المسلمة عدوها الأول، استبدلته بالفكر الصوفي المنحرف، المعروف بآرائه الإرجائية الانبطاحية، والذي يناسب جداً الحكومات الاستبدادية، كونه أفيون يخدر الشعوب ويقنعها أن التمرد على السلطة الحاكمة هو تمرد على السلطة الإلهية يلقي بصاحبه في قعر جهنم.تروّج اليوم الحكومة الإماراتية لرموز هذا الفكر كالحبيب علي الجفري، ومؤسسة طابا التي بدأت تتوغّل شيئاً فشيئاً بدولة الإمارات في خطة لإنشاء كيان ديني موازي للحكومة يحقق لها هدفها في كبح جماح الشعب عن أي تحرك ضدها.ولا يفوتنا ذكر المارد الإيراني القابع على الشاطئ الشرقي للخليج العربي، والذي ينظر بلعاب سائل للدولة الإماراتية الثرية والضعيفة، خاصة مع تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة لصالح إيران، وهذا المارد يحتل مسبقاً ثلاث جزر إماراتية هي طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، ولديه جالية كبيرة نسبياً تسوّق لمشاريعه، وتحكم اقتصاد الدولة.قد نرى في السنوات القادمة عملية عسكرية إيرانية لاحتلال الإمارات مشابهة لعملية احتلال الكويت من قبل صدام حسين مطلع تسعينيات القرن الماضي.نذكّر أن المنطقة بعد الربيع العربي ليست نفسها قبله، والأحداث أصبحت مفتوحة لكل الاحتمالات وتحصل بتسارع رهيب يعجز أحياناً التحليل والتنبؤ السياسي عن مواكبتها أو توقعها، فما كان خيالاً جامحاً من قبل صار اليوم حقيقة واقعة نعيشها ملء السمع والبصر، وما هو اليوم تحليل قد يصبح غداً حاضراً.