الأطفالُ مرآة المجتمع فمن خلالهم تتنبّأ بمستقبل المجتمع الذي يعيش فيه، لذلك كان الاهتمام بفترة الطفولة من حياة الإنسان من أهم المراحل لدى جميع الباحثين في التربية بغض النظر عن مدة هذه الفترة.
ولذلك يترتّب على العاملين في المجال التربوي والتعليمي تسليط الضوء على هذه المرحلة والوقوف على هذا الموضوع من كافة الجوانب للنهوض بالإنسان وتطويره بدلاً من الوقوف والتحجر عند الثقافات الخاطئة المنتشرة في المجتمع والتي ما تزال تتحكم في مستقبل الأمة وتسيطر على عقول الكثير من أولياء الأمور وحتى بعض العاملين في المجال التربوي الذين يكتفون بقشور المعرفة ويأبون الغوص في أعماقها وسبر حقائقها.
فهناك من الأمثلة التي تختزل تلك الثقافة الزائفة في حق الطفل وقتل مستقبله ومن ثم مستقبل الأمة منها (طب الجرة على تمها بتطلع البنت لأمها) و (الولد لخاله والبنت لعمتها) وغيرها من الأمثلة الدارجة التي ترسخ الجمود والتحجر والتقليد فوق التقليد حتى لا يأتي من يبدع أو يجدد للأمة مجدها.
ونحن اليوم أمام واقع غير مطمئن تجاه الأطفال بين محور المعلمين التقليديين الذين يرسخون فكر التبعية المطلقة في أذهان الأطفال وبين تمييع العملية التعليمية من خلال الاهتمام بالجانب الإعلامي والاقتصار على إنجاز عدد من الحفلات والمهرجانات التي تستقطب مزيداً من الدعم، وكذلك تهميش المعلم الذي بات لا يشعر بالأمن الوظيفي فهو مهدد في أي وقتٍ بالعزل من وظيفته؛ أي أننا نقلنا المصلحة من المعلم إلى المنظمة بدلاً من إعادة المصلحة للطفل.
فكان الطفل في كثير من الأحيان سلعةً للمعلم تارةً وللمنظمة تارة أخرى، وهذا ما يفسر وجود عدد كبير من الأطفال في المراحل الدراسية الأولى بينما يبدأ بالانخفاض في الإعدادي ومن ثم لتراه نادراً في الثانوي.
وهذا يختزل الحاضر والمستقبل في وقت واحد فالحاضر نراه والمستقبل وصلنا له، ومع ذلك لا نستخلص العبر حتى من الماضي القريب!
إن الأطفال اليوم هم رجال الغد ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الرجل عظيماً بل قد يكون سلبياً أو مجرماً أو عالةً على مجتمعه إذا لم نعده منذ الطفولة ليكون عظيماً؛ من التجديد في طرائق التعليم ابتداءً، إلى انتقاء المعلمين الأكفياء، وصولاً إلى غرس مهاراتٍ جديدة للتفكير في أذهان الأطفال واستئصال العادات السلبية والمفاهيم الخاطئة المتجذرة في عقل المجتمع.
وهذا يستدعي بذل الجهود المتضافرة على مستوى الطفل والمعلمين وأولياء الأمور وترسيخ فكرة المسؤولية في تعيين المعلمين بأسس موضوعية لا تنبني على المصالح أو الهوى، فليس التعليم مجالاً مناسباً لذلك، إنه أخطر مجال وعلينا الاهتمام به فالتعليم والقضاء إذا صلحا، صلح المجتمع وإذا فسدا فسد المجتمع.