لا مجال لنقاش دور المعارضة السورية ونظام الأسد في طريق الحل السياسي لأنه لم يعد محلياً، فصعوبة المرحلة التي تمرُّ فيها سورية تفرض أن يكون مفتاح الحل بيد الدول الكبرى الذي بدأ يأخذ منحى جديداً ومنعطفاً مختلفاً عن النصوص المتوقعة، فدخول القوات التركية فتح الباب واسعاً، وكشف طبيعة العلاقات الروسية التركية التي تترجم يومياً بتفاهمات عسكرية على الأرض السورية.
انسحاب روسيا من عفرين وتسهيل دخول القوات التركية إليها ، وتقدم القوات النظامية لجيش الأسد إلى مطار أبي الظهور بالتزامن مع دخول القوات التركية إلى إدلب، رسم في عقولنا الخطة القادمة التي تتلخص في تثبيت خطوط السيطرة وخفض التصعيد وإيقاف النار تمهيداً لحل سياسي قد يكون انقلاباً داخل البيت الأسدي أو صوغ دستور أو ربما انتقالا سياسيا تتواضع عليه الدول المتفاوضة، لذلك فإن تقدم النظام في ريف إدلب وسيطرته على مطار أبي الظهور قد يكون لتحويله إلى نقطة مراقبة روسية لخطوط خفض التصعيد المرسومة بأيادٍ تركية روسية تقودها المصالح المشتركة بين البلدين.
إن التقارب الدولي بين تركيا وروسيا ساعد في التقليل من شأن الولايات المتحدة الأمريكية التي يبدو أنها ستخسر دورها الإقليمي التقليدي كقطب دولي في ظل التفاهم والانسجام بين روسيا وتركيا على طبيعة الحل في سورية، لكن أمريكا لن تقبل بالخروج من المستنقع السوري خاوية الوفاض، بل إن محاولاتها في عرقلة المشروع الروسي التركي باتت واضحة في موقفين اثنين: أولهما محاولة إفشال مؤتمر سوتشي ورفض حضوره، والآخر التلويح بدعم الأكراد في منبج والتهديد باستمرار دعمها للميليشيات التي تهدد المصالح التركية في المنطقة التي يُستبعد أن تتخلى عنها، فهي أملها في تحقيق مكاسب دولية من الحرب السورية.
الصراع لا ينتهي عند أمريكا، بل يمتد إلى إيران التي تعد الخاسر الأكبر في الحرب الدولية، فإيران لن تقبل بالخروج من سورية بتلك السهولة التي يتوقعها المجتمع الدولي، فهي دفعت فاتورة بقائها دماً ومالاً وتضييقاً اقتصادياً تُرجم في النهاية إلى ثورة شعبية أوشكت على إسقاط إمبراطورية الفقيه، إيران تحاول بأقصى جهدها أن توقف الزحف التركي في مسيرة الحل السوري لأنها تعلم أن أي حل يتم عن طريق تركيا لن يلائم مصالحها في المنطقة، وبالتالي سيخدم مصالح تركيا الند الوحيد لها على عرش الشرق الأوسط، لذلك إيران ستسعى لتكون سورية كعراق ثانٍ محكوم من أجندات تحركها أصابع الفقيه بما يخدم مصالح إيران في منطقة غنية بالنفط.
لا نستطيع التقدم الحاصل في مجال المفاوضات السياسة، حتى لو كانت لا تخدم الثورة ظاهراً أو باطناً، لكنها حصلت ولا يمكن تجاهلها، ولا تزال حلقة الحل مفقودة، فالتفاهم الروسي التركي لن يرى النور إلا إذا كانت أمريكا وإيران بطلتين أساسيتين في أي سيناريو مقترح للمرحلة القادمة، وطالما تعارضان التفاهم الحالي فإن الحل لايزال بعيداً وصعباً .