ظهر مؤخراً مصطلح التغيير الديموغرافي بشكل متكرر على الساحة السورية، في ظلِّ الصراع المتفاقم مع مرور الزمن على هذه الأرض، فما هو التغيير الديمغرافي؟
التغيير الديموغرافي هو التحول من حالة إلى أخرى، وهو ما يطرأ على التنظيم، وبهذا يعد واحدا من العلوم الاجتماعية التي تعنى بقضايا المجتمع الإنساني ومشكلاته وتغيراته، ويختص بمسائل السكان وعوامل نموهم وتوازنهم النوعي والكمي، وتتأثر مفاهيمه بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تشهدها المجتمعات الإنسانية المعاصرة، فضلاً عن أنَّه يدخل في قياس خصائص معينة للسكان مثل حجم السكان وتوزيعهم حسب نوع العمل والصناعة والتوطن والانتماء السياسي والديني والقومي.
بعد اعتماد نظام الأسد وحلفائه خلال الأزمة السورية مختلف السياسات الإجرامية ضد الشعب السوري، وكان أهمها التهجير القسري، بدأت هذه السياسات بالزبداني وانتقلت إلى داريا ومن ثم –وليس أخيرا-إلى قدسيا والهامة، والآن إلى معضمية الشام وجميعها في ريف دمشق. اتبع الأسد سياسة القصف المكثف والحصار الخانق، وعمد إلى تفريغ المدن من المواد الغذائية وقوت الحياة ليجبرهم في نهاية المطاف على الاستسلام، خاصة أنَّ جميع المناطق المهجرة صمدت صموداً أسطوريا في وجه كل المحاولات الفاشلة من النظام وحلفائه الإيرانيين وحزب الله للسيطرة عليها.
بلغ عدد السكان المهجرين قسرياً من داريا فقط نحو 700 مقاتل وأربعة ألاف من الرجال والنساء، وهناك آخرين لم يتم إحصاؤهم ولا تتوفر إحصائية دقيقة للمهجرين، حسب أ ف ب والمرصد السوري، فضلاً عن الأعداد الكبيرة التي خرجت من مناطق ريف دمشق الأخرى، ومناطق ريف حمص، والتي اتجهت إلى إدلب.
وكما اعتاد السوريون على سياسة النظام القائم في دمشق، في المراوغة والخداع والكذب، فقد أخلَّ النظام هذه المرة كباقي المرات بالاتفاق الذي أبرم من قبل لجنة المصالحة في داريا، حيث تم الاتفاق بين الطرفين مقابل الخروج من المدينة إطلاق سراح كافة المعتقلين من أبنائها “الرجال والنساء”، والموجودين في السجون السورية منذ أعوام، فقد أصدرت لجنة المصالحة بياناً أكدت من خلاله أنَّ النظام لم يفِ بالوعود التي تمَّ الاتفاق عليها، كما قام باحتجاز المدنيين الموجودين في مساكن الإيواء بحرجلة، ولم يسمح لهم بالتنقل داخل العاصمة.
المعادلة تغيرت قليلاً في مظهرها ولكن المضمون واحد، فقد توجهت أنظار النظام وحلفائه من ريف العاصمة إلى مناطق الشمال السوري، وتحديداً إلى مدينة حلب، التي تشهد اليوم أعنف الحملات العسكرية منذ انطلاق الثورة قبل ستة أعوام.
يهدف النظام وروسيا إلى إفراغ المدينة من سكانها كما تم في الغوطة، ولكن هذه المرة تحت وصاية دولية، وضوء أخضر كما يصف مراقبون، فالمبعوث الدولي إلى سوريا “ستيفان ديمستورا”، بدت ملامح إفراغ المدينة جلية من خلال تصريحاته التي أدلى بها في الأيام الماضية.
ولكن الحنكة الدبلوماسية لدى المبعوث الدولي جعلته يجد مفراً من التصريح المباشر بإفراغ المدينة، وذلك من خلال قوله بأنَّه مستعد للذهاب إلى مدينة حلب لمرافقة المقاتلين الراغبين في الخروج، لإنهاء الوضع الذي وصفه بالمأساوي داخل أحيائها المحاصرة، هذه المباركة المبدئية من المبعوث الدولي، والصمت العالمي المطبق، جعلت أنظار النظام تنصب بكاملها على المدينة، ويظهر ذلك جلياً من خلال البيان الأخير الذي صدر عن قواته المسلحة بوصفه نداءً أخيراً لمسلحي المدينة لتسليم أنفسهم، فقد حمل شعار “إن لم تستلموا فستلاقون مصيركم المحتوم”.
وممَّا يدل أيضاً على اقتراب ركوب سكان الأحياء الشرقية لحلب حافلات الأمم المتحدة، هو التصعيد العسكري العنيف على أحياء المدينة، تلك الأحياء التي أذاقت النظام وروسيا الويلات، وضمن هذا التصعيد استخدام نظام موسكو جيلا جديدا من الصواريخ الارتجاجية، والبالغ وزنها أكثر من 800 كيلو غرام، وذلك لكسر شوكة المقاتلين وإجبارهم على طلب المصالحة والمضي قدماً في سلسلة التغيير، ليصبح ما تبقى من أحياء حلب الشرقية مأوى لعائلات جديدة لا أحد يعلم من أين سيستقدمها النظام لإرضاء حلفائه.
كل تلك الحوادث والتطورات الكبيرة التي تشهدها الساحة السورية، تؤدي إلى طرح تساؤلات كبيرة لدى الشارع السوري، وتتجلى في أسئلة عدة، هل سيبقى ديمستورا سائق قطار التغيير نحو الشمال، أم أنَّ الدب الروسي فرض سباته على ضمير المجتمع الدولي؟ …
كرم إبراهيم