غسان الجمعة |
خرج رأس النظام السوري مُهنئًا أهالي حلب بنصرهم على الإرهاب على حدِّ وصفه، وأكد أن انتصار ميليشياته مقدمة للسيطرة على باقي المناطق بما فيها إدلب التي تشهد توترًا متصاعدًا بين روسيا وتركيا مايزال التكهن بنتائجه غامضًا ومفتوحًا على كل الاحتمالات.
وبعيدًا عن الصفيح الساخن في إدلب خرج الإعلام السوري بجوقة مطبلي النظام من جحيم مناطقه في حلب بما أسماه الفرحة الشعبية بانتصار “الجيش السوري” على الإرهابيين.
هذه المسرحيات التي باتت مكشوفة للموالين قبل المعارضين تركت خلفها أنقاض مدينة مدمرة، لترقص من جديد على أنقاض ريفها المنكوب دون أن تعتبر من خداع رأس النظام لها بوعود ما بعد الانتصار وقصص الإعمار في حلب الشرقية.
وللأمانة فإنه من غير المنصف التعميم على أهالي مدينة حلب كلهم بفرحة النصر المزعومة التي يحاول البعض إلصاقها بهم، لأن هذا التعميم هو في الحقيقة متنفس هؤلاء للهرب من تحمل المسؤولية والفشل في صفوف الشارع المعارض، فمن حق هؤلاء المطبلين أن يفرحوا فرح العبيد بنصر سيدهم، بالإضافة إلى أنهم شريحة مستفيدة منتفعة من الحالة الميليشاوية التي فرضتها مخابرات النظام على الشارع السوري إما بامتيازات اقتصادية أو سياسية أو أمنية واجتماعية.
الجديد بالمحافظة المنكوبة مدينة وريفاً هو هروب بعض المدنيين من ريف حلب من أمام المدافع والدبابات إلى خلفها في أكبر حصار ناري شهدته الخريطة السورية منذ انطلاق الثورة السورية لدرجة وصلت بالبعض من المعارضين عدم استهجان هذا التوجه لأسباب إنسانية بحتة، والحقيقة هي أن هذا التوجه يستغله النظام السوري بصورة المخلص المدافع، في حين إن حقيقته مشابهة تماماً لصورة السجان أثناء تعذيب ضحيته عندما يحاول الأخير الهرب إلى خلف جلاده اتقاء شر سوطه.
بكل الأحوال حقق هؤلاء مبتغاهم بالبحث عن الحياة بأي صورة بعيداً عن شبح الموت الذي لم يعلموا أنهم سيتذوقونه باليوم مرات ومرات بعد أن ساعدوا بخوفهم نظام الأسد في إضافة طبقة مهمشين جديدة من الدرجة الثالثة في حلب، حيث عمد النظام لخلق تمايز طبقي بعد سيطرته على المدينة بين حلب الشرقية وحلب الغربية، وأضاف إليها الآن المدنيين النازحين منها مع أهالي القرى بعد أن رسخ تهمة الإرهاب بقاطني ريف حلب الغربي والشمالي لتعيش ولأول مرة في التاريخ طبقة الأحرار تحت حكم العبيد.
اليوم يعيش المدنيون في المناطق المحررة ظروفًا إنسانية واقتصادية صعبة للغاية، ومن حق أي إنسان أن يرتب في سلم احتياجاته أولوياته حسب مقتضاه وظروفه، ولكن من واجبنا أن ننوه أن ما تعرضه وسائل إعلام الأسد على قنواتها ما هو إلا سيل أكاذيب ملفقة من صباحات نصرها المزعوم بإجرام مرتزقة إيرانيين وروس إلى ختام ليليها بزيارات مسؤولين حكومة الأسد للمناطق السورية وعقود الوهم والإعمار التي يبرمونها مع حكومات الاحتلاليين الروسي والإيراني.
وليس من الصعب الاستفسار عن كيفية الحصول على أسطوانة الغاز في أي منطقة تحت سلطة الأسد، بل إن السوريين عليهم شراء خبزهم المدعوم من نوافذ الشبيحة منذ سنوات وهم محكومون بساعات تقنين بالتغذية الكهربائية ليستفيد ضباط الأسد وشركاؤهم من تجار الأمبيرات التي يديرها الشبيحة غالبًا.
على العائدين عدم مقارنة مداخيلهم والأسعار بالدولار، كما أنه قد يرون أثاثهم يباع أمامهم مع ذكريات أطفالهم وعائلاتهم في أحيائهم وقراهم المجاورة دون أن يستطيعوا النظر إليها كيلا تشهد شواهد قبور أحبائهم بأسماء عائلاتهم بتهمة الإرهاب، فبعضها لا يزال شامخًا وشاهدًا على الجميع.