كانت مجرد مشاركة رمزية لمسؤول أمني سعودي سابق في مؤتمر المعارضة الإيرانية المنعقد حاليا في باريس كفيلة ـ كما يقول مراقبون ـ ببث رعب شديد في نفوس القادة الإيرانيين، لأن هذه المشاركة تكشف عن أن السعودية تخفي أكثر من ورقة يمكنها إحراقها بوجه الزحف العسكري الإيراني غير المسبوق على المنطقة، إلى حد احتلال أربع عواصم عربية باعتراف طهران نفسها.
وتتهم إيران السعودية بدعم تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات متشددة أخرى الأمر الذي تنفيه الرياض. ويقول السعوديون إن إيران تؤجج العنف الطائفي في الشرق الأوسط ولديها طموحات للهيمنة على المنطقة.
وفي ظل التوتر الاقليمي بين البلدين، أصيبت بهلع برز في تصريحات أحد مسؤوليها وهو يعلق على مشاركة الأمير تركي الفيصل الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية في مؤتمر حركة “مجاهدي خلق” المعارضة للنظام الإيراني والذي ينتظم في العاصمة الفرنسية باريس.
وقال المسؤول الإيراني تعليقا على حضور الفيصل وإلقائه كلمة في الاجتماع إنه “أمر ليس مستبعدا” ممن وصفهم بـ”رعاة الإرهاب”، على حد زعمه.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن المسؤول الذي لم تسمه قوله “إن ذروة فشل وعجز الإرهابيين والجهات الراعية لهم في العلن والخفاء في هذه المسرحية التي اجتمعوا فيها ليعزوا انفسهم، تجلي في الوقت الذي تحدثوا عن أحلامهم الوهمية.. إن فشل السعوديين وتمسكهم بالإرهابيين المكشوفين للجميع في هذا الاستعراض الهزلي يظهر وكما انكشف في العراق وسوريا واليمن، وإن الإرهاب والإرهابيين أداة لتمرير أهدافهم ضد الدول الإسلامية في المنطقة”.
ووقفت جماعة مجاهدي خلق مع صدام حسين أثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات لكنها اختلفت مع بغداد بعد أن أطاح الغزو بقيادة الولايات المتحدة بصدام في عام 2003.
وكان للجماعة المنفية التي تسعى للإطاحة بالقيادة الدينية في إيران التي تأسست بعد الثورة الإسلامية عام 1979، وجود في الولايات المتحدة ولها مكاتب في أوروبا.
ويقول محللون إن التصريحات الإيرانية المتوترة ضد حضور الفيصل في مؤتمر المعارضة تكشف عن أن طهران تشعر بقلق شديد من جرأة المملكة العربية السعودية واستعدادها لفعل كل شيء ممكن في الصراع المفتوح بين البلدين حفاظا على مصالحها وردعا لتغول إيران، التي أسقطت أخيرا كلّ الأقنعة التي تخفي مشروعها الطائفي التوسعي في المنطقة وضد الدول العربية، وأصبحت تهلل له جهارا بدعم رئيسي من مليشياتها الطائفية المبثوثة في عدد من هذه الدول.
كما تكشف هذه التصريحات أن طهران ليست جاهزة أصلا للتعامل مع انتفاضات الأقليات الدينية والعرقية داخلها وأن حساباتها في هذا السياق تنقصها الدقة والحكمة، وهي التي ظنت أن نجاحها في تفجير عدد من دول الجوار يمكن ان يحصن نظامها في الداخل من أي تحديات قد تواجهه في المستقبل.
وأكد الفيصل في كلمته في مؤتمر المعارضة الايرانية المنعقد بباريس أن “العرب يكنون عظيم الاحترام للثقافة الإيرانية والإسهامات الفارسية، لكن إيران تصر على التدخل في شؤون دول الجوار وتأسيس منظمات طائفية”.
وحظيت كلمة الأمير بتغطية واسعة في وسائل الإعلام السعودية.
وأضاف الفيصل أن “إيران تنتهك الدول بحجة دعم الضعفاء في العراق ولبنان وسوريا واليمن ودعم الجماعات الطائفية المسلحة، وأن دعمها يهدف إلى إشاعة الفوضى”.
وأكد رئيس المخابرات السعودية السابق أن النظام الإيراني “منح نفسه صلاحيات مطلقة، وقام بعزل إيران، وأن الشعب الإيراني أول ضحاياه”.
واعتبر الفيصل وهو سفير سابق أيضا لدى واشنطن ولندن أنه “من الأجدر بخامنئي وروحاني الانتباه لمشاكلهما في الداخل”، مضيفا أن “كفاحكم المشروع ضد نظام الخميني يبلغ مرماه عاجلا أو آجلا.. وأنا أريد إسقاط النظام”.
وهاجم الفيصل بصراحة نظام ولاية الفقيه الذي تحكم وفقه إيران قائلا “إن الخميني رسخ سلطة مطلقة لنفسه وحاول فرض وصايته على كل الدول الإسلامية وليس فقط على إيران موضحا أن القمع في إيران لا يقتصر على المعارضين بل يشمل الأقليات وخاصة العرب والسنة والأكراد”.
وذكر بأن “الخميني أسس لمبدأ ‘تصدير الثورة’ الإيرانية إلى الدول العربية والإسلامية” وبأن هذه السياسة خلفت “نزاعات كبيرة في دول العالم الإسلامي”.
ويقول مراقبون إن إيران خاطرت باللعب على تفجير المتناقضات الطائفية العرقية في عدد من الدول العربية متناسية أن نار هذه اللعبة الخطرة يمكن أن ترتد إليها في أية لحظة لا سيما وأنها دولة لا تختلف في شيء عن دول المنطقة من جهة تعدد مكوناتها الطائفية والعرقية التي تريد بدورها الحصول على حقوقها السياسية والدينية وترى أن الوضع الإقليمي ربما بات مناسبا لتصعيد داخلي مشابه لما يحصل في الدول المجاورة من أجل الحصول على هذه الحقوق.
ويضيف المراقبون أن حجج إيران ضد أي دعم دولي مرجح للمعارضة الإيرانية من أجل تغيير الوضع الإيراني من الداخل، تبدو متهافتتة حتى بالنسبة لطيف واسع من الإيرانيين، فما بالك بشعوب دول المنطقة والعالم، لأن هذه الحجج تدخل في “باب النهي عن منكر أتت منه الشيء الكثير” في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين وحتى في السعودية نفسها.
ويؤكد هؤلاء المراقبون إن إيران التي تلوم الأمير تركي الفيصل على دعمه للمعارضة الإيرانية سبق لها و أن دعمت وعلى نحو “انتهازي وغير اخلاقي معارضات عراقية عميلة لها ولدوائر مخابراتية غربية ودفعت بها للمشاركة في عملية تخريب تاريخية لدولة كالعراق وكان هذا الدعم أساس ما يحصل الآن من تدمير لهذا البلد العريق”.
وانتقل الجدل حول مشاركة تركي الفيصل في اجتماع مؤتمر حركة مجاهدي خلق إلى وسائل التواصل الاجتماعي ورد الإعلامي السعودي جمال خاشقجي الأحد على من يحذر بأن مشاركة رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق في الاجتماع المعارضة الإيرانية قد يؤدي بطهران لجمع المعارضة السعودية كرد على ذلك.
وقال خاشقجي عبر صفحته على تويتر “انتقد البعض مشاركة الأمير تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية انه يعطي ذريعة لإيران للتدخل! وهل بقي في جعبة إيران شرا لم تفعله ضدنا؟.. قال أحدهم إن تركي الفيصل أعطى إيران ذريعة لدعم ‘معارضة سعودية!’ إن استطاعوا جمع معارضة سعودية تكفي لملء قاعة صغيرة بفندق بباريس.. فليفعلوا”.
وتابع خاشقجي قائلا “انتقاد مشاركة تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية يشي أن بعضنا يريد دحر إيران بالتمني وبدون عمل وجهد وطني او بالاعتماد على حليف لا يوجد”.
من جهته قال الفريق ضاحي خلفان نائب رئيس شرطة دبي على صفحته بتويتر قائلا “نظام ولاية الفقيه أسوأ بكثير من نظام شاه إيران.. مارس اغتيالات واختطافات وزج بآلاف الإيرانيين في السجون بلا محاكمات.. تحية للشعب الإيراني الذي ينتفض ضد عمائم الشر”.
وتابع قائلا في سلسلة من التغريدات “الاعتراف بالمعارضة الإيرانية اعترافا رسميا وفتح مكاتب لها في دول العالم ضرورة تتطلبها حقوق المواطن الإيراني.. أصداء عالمية للمعارضة الإيرانية تضع النقاط على الحروف لزحزحة الفقيه الخروف”.
وشهدت العاصمة الفرنسية باريس السبت انطلاق فعاليات “مؤتمر المعارضة الإيرانية” السنوي بمشاركة أكثر من مائة ألف من أبناء الجالية الإيرانية المنتشرة في مختلف دول العالم.
ويشارك في المؤتمر كبار الشخصيات الأميركية من بينهم نيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب الأميركي السابق والأوروبية والعربية وغيرها من خمس قارات بالعالم، لتعلن عن تأييدها لمشروعاتها وبرامج المقاومة الإيرانية.
وستقدّم الجمعيات الإيرانية الوافدة من أرجاء العالم تقييمها لعدة قضايا منها ملف قمع الحريات العامة في إيران، والآفاق المستقبلية للتطورات الإيرانية، في ضوء اتساع حركة الاحتجاجات الشعبية في مختلف المحافظات والمدن الإيرانية، وعلى خلفية التصعيد الخطير في الإعدامات التي بلغت رقما قياسيا.
وقال بيان “المقاومة الإيرانية” إن الاجتماع يأتي “بعد ثلاث سنوات من رئاسة روحاني وثبوت زيف ادعاءاته للإصلاح وتحسين الظروف السياسية والاقتصادية في إيران، كما أن الوتيرة المتصاعدة لتدخل نظام ولاية الفقيه في مختلف البلدان كسوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين وغيرها لم يبق أي شك بأن نظام الملالي كلما استمر في الحكم استمرت الحروب والإرهاب والمجازر في مختلف دول المنطقة”.
وكانت مريم رجوي رئيسة “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” دعت في كلمة لها خلال افتتاح المؤتمر إلى إسقاط النظام الإيراني، معتبرة أن “الاتفاق النووي زاد من جرائم طهران في المنطقة”، بحسب وصفها و شددت رجوي على أن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران يشوبها التضارب وأفرزت مصائب للمنطقة.
المصدر : ميدل ايست أونلاين