تمتلئ مواقع التواصل بهم، ويحظون بمتابعة كبيرة رغم تفاهة ما يقدمونه وخلوه من أي فكرة يمكن استثمارها، سماجة ووقاحة ومقالب تُثير الرغبة في الاستقياء أو الاستغاطة، يستثمرون في الفراغ ويتركون وراءهم جماهير كبير هائمة تبحثُ عن شهرة مشابهة ومصدر دخلٍ بهذه السهولة، فيتكاثرون ويتناسلون ويكوِّنون مجتمعاتهم الخاصة المليئة بأشباههم التي تكبر يوماً بعد يوم، حتى أضحت المجتمعات (الجادَّة) على مواقع التواصل تتضاءل تدريجياً، فالمادة المفيدة تحتاج فكراً وتعلماً وجهداً لإنتاجها لا يتناسب غالباً مع ما تعود به من دخلٍ قليل، بينما صناعة التفاهة أرخص بكثير وعائداتها ضخمة جداً.
إذا كنت شاباً فالأمر صعب قليلاً، عليك في البداية أن تتعلم التهريج والسخافة، كما يجب أن تحاول أن تبدو وسيماً قدر ما تستطيع، حتى لو اضطررت لاستخدام مستحضرات تجميل النساء، تكلم في أي موضوع وأنت (تتشخلع) وتؤدي بوجهك حركات غريبة، اصرخ بلا سبب أو مثِّل دور ناقد اجتماعي يسبُّ الجميع ويشتم الحياة، فرصة نجاحك جيدة لكنها ليست مضمونة، إذا استطعت أن تأتي بفتاة لعروضك ستكون قد ضمنت النجاح إلى حدّ كبير.
إما إذا كنتِ فتاة، فالأمر شديد السهولة، قليل من التعري والمياعة، وتنجحين، لستِ مضطرة أبداً للتفكير بما ستقدمينه، أي شيء ينجح، فقط صوري وانشري وستجدين حمقى كُثر بانتظار رؤيتك ومتابعة طلتك الفاتنة!
ستدعمك وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، فتصدير هذه النماذج وانقياد المجتمع وراءها هو ما يضمن تخدير الجماهير وابتعادها عن مساحات السلطة المغتصبة منها، وتعلق الناس بهذه الطريقة لجلب المال ربما توفر الكثير من الوظائف للعاطلين عن العمل، وربما تُدرِّس الجامعات في القادم من الأيام أساليب التفاهة على أنها منصة الجماهير الأولى.
ويتكرر السؤال الأحجية منذ أيام نكسة فلسطين، وين الملايين؟!
المدير العام | أحمد وديع العبسي