بقلم رئيس التحرير
في قصور الطواغيت ومستعمرات السلاطين وبلاطات الملوك أقسام مختلفة وأجنحة للعبودية التي ألبست لباسًا غير لباسها، فهناك أقسام مختلفة منها للخدم ومنها لحريم الملك وعشيقاته، وأخرى للطباخين، وغيرها لمدلكي ظهر الرئيس إن تعب، وللبغال البشرية إن ركب، و للمطبلين والمزمرين إن طرب، وربما كان قسم (الأوثان البشرية المقدسة) من أهم الأقسام، إذ إنه يضم مشايخ السلطان الواقفين على بابه الذين درسوا العلوم لحشو الكروش وملء البطون، وما أكثرهم في عالمنا العربي والإسلامي!درسوا العلومَ ليملكوا بجدالهمْ فيها صُدورَ مَراتِبٍ ومَجَالِسِو تزهّدوا حتى أصابوا فرصة ً في أخذِ مالِ مَساجِدٍ وكنَائِسِلقد استطاعت السلطات المستبدة أن تجعل الدجاجلةَ أدعياءَ العلم بالدين أوثانا تسجد لها شعوب الأمة من حيث لا تدري، وتطيعها فتعبدها من دون الله من حيث لا تدري، وخلعت عليها ألقابا عظيمة وأوصافا شريفة كالسماحة والفضيلة والإمام والعلامة والفهامة والحبر والمولى والمرشد والمفتي..، في حين أن هذه الثلة الخبيثة مثلها مثل عمال النظافة في قصور الزعماء، فمنهم من ينظف الأوساخ الحسية من تحت الأقدام، ومنهم من ينظف الأوساخ والنجاسات المعنوية باسم الدين وطاعة ولي الأمر!فقد أدرك مغتصبو الحكم وبائعو الشعوب أهمية السلطة الدينية في ترويض الحكم وتخدير الشعوب إلى جانب السلطتين السياسية والثقافية، لصنع قاعدة شعبية متينة، فاستأجروا صعاليك وشبيحة وبلطجية وألبسوهم العمائم بألوانها المختلفة، وأضفوا عليهم الصورة الكهنوتية وهالة القداسة، فعادوا بالزمن إلى العصور الوسطى في الغرب، واستعاروا أفعال رجال الكهنوت الذين يدعون الناس إلى عبادة الحاكم والدفاع عنه بالمال والنفس، ويحذرونهم من الخروج عليه لأن ذلك إغضاب للرب وخروج على قوانين السماء!ولم يكتفوا بذلك، بل ربطوهم من أعناقهم كما يربط البعير، فولوهم المناصب ليقبضوا منها (معاشاتهم)، فإن هم فكروا بالخروج عن الخط المرسوم لهم عزلوا من مناصبهم وقطعت موارد رزقهم والنعيم الذي هم فيه.وأنت ترى نتائج هذه السياسة في ترويض الناس عن طريق الدين في الدول العربية عامة وفي مصر وسورية خاصة، وقد وضع أسسها الباطلة جمال عبد الناصر وسار على ذات النهج من جاء بعده، حتى وصل الحكم إلى (عيّل) نكرة هو عبد الفتاح السيسي، فصار في نظر الأزهر (الشريف) رسولا مؤيدا من عند الله، وأنه مع وزير داخليته محمد إبراهيم رسولان من رسل الله كموسى وهارون! وفي سورية يصير حافظ الأسد في نظر أصحاب الطرابيش المستأجرين فراشة ملونة تتنقل من زهرة إلى زهرة وهي تحمل معاني الحب والإنسانية إلى الوطن الحبيب، ووصل الأمر إلى الادعاء أن المقبور كان يعمل بالكتاب والسنة، وربما هذا ما جعل أحد المشايخ يرى في أضغاث أحلامه حافظ الأسد يرتع في الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء!ولأن مآل الأوثان السقوط والكسر، فقد جاءت الثورات المباركة لتكشف زيف الدعاة إلى أبواب جهنم، فلما سكتوا عن الباطل ودافعوا عنه وأفتوا له احتقرهم الناس وعلموا حقيقتهم، فليس من المعقول أن يتكلم مولانا الشيخ على دم الحيض في دروسه والبلاد تغرق في الدماء التي يسكبها أربابه، وليس من المعقول أن يتكلم فضيلة السماحة على فضل الفقراء وميزاتهم ونسوة القائد يغطسن أجسادهن الممشوقة في أنهار الحليب والعسل!والأغرب من ذلك كله أن الذين ربوا على ذلك النهج وثقافة طاعة الشيخ بالمطلق أرادوا أن يصنعوا أوثانا بعمائم غير تلك التي أطيح بها، ليرفعوها ويقدسوها ويذبحوا لها القرابين ويأتمروا بأوامرها، باسم الثورة والدين زورا وبهتانا، فنصبوها تحت شمس الربيع العربي لتقوى وتشتتد وتجلب الأتباع والمريدين، وما علموا أن في دورة الفصول شتاء ماطرًا سيحيل أوثانهم طينا.