سلوى عبد الرحمن
يعاني سكان مدينة إدلب منذ بداية تحريرها من فقدانِ الرعاية الطبية، وندرةٍ في المشافي والكوادر الطبية المتخصصة، ونقصٍ في المعدات والأدوية، خاصة تلك التي تتعلق بالعمليات الجراحية، إضافةً للاستهداف المباشر من قبل النظام وروسيا للمنشآت الصحية، فقد دُمِّر أكثر من ستين بالمئة من المشافي حسب إحصائية الأمم المتحدة للعام الماضي، كما أنَّ هجرة معظم الأطباء خارج البلاد زادت من معاناة المرضى والمصابين خاصة الأمهات الحوامل والأطفال حديثي الولادة على حدٍّ سواء.
يعتبر مشفى الأمومة هو الأكبر من حيث الحجم والإمكانيات، والذي يعنى بأمراض النساء والحوامل والأطفال، إضافة لنقاط طبية أخرى داخل مدينة إدلب تقتصر في عملها على المعاينات البسيطة، ممَّا جعل مشفى الأمومة يعاني بشكلٍ يومي من ازدحام شديد، خاصة وأنَّ المدينة أصبحت تعجُّ بالنازحين والمهجرين قسرًا من كافة المدن والبلدات السورية.
وصل عدد المستفيدين من مشفى الأمومة خلال الشهر الماضي إلى 5929 ما بين عمليات وولادات وحواضن وعيادات أطفال ونسائية في كانون الثاني بداية هذا العام في مدينة إدلب حسب إحصائية الجمعية السورية الأمريكية Sams-syria
فقد بلغ عدد العمليات القيصرية 145 والولادات الطبيعية 222 أمَّا العمليات الجراحية وصلت إلى 47 عملية من ضمنها عمليات استئصال الرحم.
(فاتن.ج) إحدى النساء ممَّن خضعنَ لعملية قيصرية في مشفى الأمومة قالت لحبر:” كنت أخشى من إجراء العملية بمشفى مجاني، وسعيت كثيرًا لإجرائها في مشفى خاص، إلا أنَّ إمكانيات زوجي المادية كانت عائقًا، وبعد إجرائي للعملية القيصرية، وجدت الرِّعاية والاهتمام على عكس ماكنت أسمع وأتوقع، وقد بذل الكادر من طبيبات وممرضات جهدهنَّ لتأمين الرعاية اللازمة للأم وطفلها”.
فيما اشتكت ليلى إحدى المراجعات للمشفى: ” كنت أعتقد أنَّه بإمكاني الحصول على لقاح لمولودي في مشفى الأمومة، إلا أنَّ الطبيب أخبرني أنَّ اللقاحات غير متوفرة في كلِّ المشافي والمراكز الطبية داخل المدينة، إلا في المناطق الحدودية كالدانا وأطمة وسرمدا ودركوش الأمر الذي يضطرني للسفر لإعطاء اللقاح اللازم لطفلي”.
أمَّا عن حالات الإجهاض والولادات المبكرة، قالت إحدى الطبيبات في المشفى: “نستقبل يوميًا ما يقارب 4 أو 5 حالات إجهاض وولادات مبكرة، هذا الأمر يعود إلى عدة أسباب أولها الزواج المبكر للفتيات، حيث إنَّ الرَّحم يكون غير ناضج بشكل كامل ليحتضن الجنين، أو إنَّ المرأة الحامل تعرضت لضغط نفسي حادٍ أو خافت من القصف، ومؤخرًا ازداد عدد حالات الإجهاض في الأشهر الأخيرة من الحمل”.
كثير من الفقراء يرتادون المشفى كونه الوحيد المجاني، إلا أنَّه ما يزال يعاني من نقص في بعض الأدوية والمعدات أهمها: (جهاز منظار باطن الرحم، جهاز الكي الكهربائي) إضافة لأجهزة أخرى تلزم العمل الجراحي، كما أنَّ نقص الكادر الطبي يؤثر سلبًا على المراجعين.
وتحدَّث بعض المراجعين للمشفى عن عدة قضايا فساد بعد تعرضهم لحوادث داخل مشفى الأمومة ابتداء من سوء المعاملة من قبل الكادر الطبي من أطباء وممرضين وعاملين، وانتهاء بعدم توفر كثير من الأجهزة والمعدات اللازمة والأطباء اختصاصيين، فقد حصلت أخطاء طبية أودت بحياة مرضى في المشفى، كما اشتكت نساء حوامل و أمهات لأطفال مرضى تعرضنَ للإهانة من قبل ممرضات المشفى، بالإضافة إلى عدم تأمين المساعدة والخدمات اللازمة لهم.
فيما نفى الكادر الطبي في المشفى هذه الاتهامات، وقال أحد الأطباء لم يرغب بذكر اسمه:” يسيطر مكتب الداخل للمنظمة على قرارات الإدارة في المشفى، فيما تتعامل المنظمة مع الأطباء والعاملين معهم كآلات فقط، فعلى الجميع أن يعملوا لمدة 3 أيام متواصلة دون وجود مناوبات، وهذا القرار قد يؤثر سلبًا على عمل الكادر”.
وفي حديث مع د. محمد مدير المنظمة في إدلب لصحيفة حبر:” نحاول ضمن الإمكانيات المتاحة تأمين المعدات والأدوية اللازمة للمشفى، وكذلك التعاقد مع أطباء اختصاصيين غير متعاقدين مع جهات أخرى حرصًا منَّا على عملهم داخل المشفى، الذي ينعكس بشكل مباشر على صحة المرضى والمراجعين”.
وعن الاضراب الذي حصل من قبل بعض الأطباء في المشفى، تابع الدكتور محمد حديثه:” بسبب تقصير وخطأ بعض الأطباء في المشفى اضطررنا لاتخاذ الإجراءات والعقوبات اللازمة بحقهم، وقد تمَّت إحالتهم إلى لجنة تحقيق مختصة بالتنسيق مع مديرية الصحة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم”.
ما بين سلبيات وإيجابيات مشفى الأمومة، وبعيدًا عن القصف والظروف الأخرى، يعتبر المشفى إنجازا رائعا لمساعدة الناس المحتاجين في الوقت الذي تعاني منه كافة مشافي سوريا من إنسانية مفقودة وموت من نوع آخر للمواطن السوري، عدا عن التكاليف المرتفعة في المشافي الخاصة “فأن تشعل شمعة، خير من أن تلعن لون العتمة”.