إعداد: عبد الحميد حاج محمد – عبد الملك قرة محمد |
“توصلنا إلى اتفاق بخصوص التهدئة في إدلب، ونرغب في أن تكون التهدئة دائمة وليست نسبية، وناقشنا أيضًا ملف المعتقلين، وضغطنا بقوة من أجل الإفراج عنهم، وطالبنا الأمم المتحدة والأطراف المعنية بتنفيذ مسؤولياتها بهذا الصدد”.
ما قرأته أعلاه هو التصريح الوحيد الذي اهتم به السوريون لرئيس وفد المعارضة في آستانة (أحمد طُعمة) أما باقي التصريحات فقد كانت بلا قيمة ولا طَعمة!
بعد ساعات معدودات من هذا التصريح المبتذل، بدأت الغارات الجوية وزحفت مليشيات النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين باتجاه ريف إدلب الشرقي، يأملون في مرحلة أولى السيطرة على معرة النعمان وسراقب حسب زعمهم، لتنطلق فوراً شعارات التخوين والتخمين دون أي دليل يكشف مصير ما يقارب 5 ملايين إنسان فقدوا ثقتهم بالحل السياسي أو ربما بالعسكري أيضاً.
سراقب ومعرة النعمان والمصير المجهول
على وسائل التواصل الاجتماعي روَّج البعض وجود اتفاق سري يقضي بعدم دخول النظام لمعرة النعمان وسراقب مقابل رفع علم النظام في المدينتين، لكن لم يتم توافر أي دليل فعلي على وجود اتفاق كهذا!
النظام من جهته روَّج عبر صحيفة (الوطن) أن أهمية معرة النعمان العسكرية تنبع من كونها أهم معقل لمن أسماهم الإرهابيين، وتقع على أهم طريق حيوي يربط حلب بالعاصمة دمشق المعروف بطريق “M5″، وفق صيغ اتفاق “سوتشي” الروسي التركي التي تخص إدلب منتصف أيلول ما قبل الماضي، إذ تبعد عن حلب ٨٤ كيلو مترًا وعن حماة ٦٠ كيلو مترًا وتتربع منطقة جغرافية بالغة الحساسية بموقعها الفريد من نوعه الذي يربط أرياف إدلب الغربية والشرقية والشمالية ببعضها بعض.
ويشير الخبراء بحسب (الوطن) إلى أن مدَّ الجيش السوري سيطرته إلى معرة النعمان، يتيح له مسك أهم تجمع سكاني في محافظة إدلب بعد مدينة إدلب وعلى أهم موقع على الطريق السريع بين حماة وحلب، ووفق بنود اتفاق “سوتشي” الذي تأخر تطبيقه أكثر من عام جراء مماطلة النظام التركي الضامن للاتفاق.
وأضافت (الوطن) الموالية أن وقوع معرة النعمان في منطقة منبسطة التضاريس، يسهل سيطرة الجيش السوري عليها، على الرغم من أنها أهم معقل للإرهابيين (حسب تعبيره) على طريق “M5″، ويفسح المجال أمام تقدمه باتجاه مدينة سراقب، المنبسطة جغرافيا أيضًا التي تشكل عقدة طرق تربط وسط سورية بشمالها وشمالها بغربها، عدا عن تقدمه باتجاه مدينة أريحا حيث جبل الأربعين الإستراتيجي الذي يطل على مساحة واسعة من أرياف إدلب الشرقية والغربية والشمالية ويشكل مدخلًا لجبل الزاوية الذي يضم أهم معاقل الفصائل الممولة من تركيا (نقلاً عن الوطن).
(محمود جرود) رئيس مجلس سراقب في حديثه لحبر قال: “إن النظام يقصف النازحين على الطرق ويستهدفهم بشكل مباشر، والناس ينزحون إلى المجهول ولا حركة في المدينة التي غدت مهجورة وسط دمار هائل في ممتلكات المدنيين والمرافق العامة.”
بينما قال (أحمد الجربان) مدير منظمة إنسانية وإعلامي من معرة النعمان لحبر: “إنه من المستحيل أن نجزم بهدف النظام ومدى المساحة التي يرغب بالسيطرة عليها، لكن ما نعرفه ومتأكدون منه أن النظام لو يستطيع لسيطر على كل حفنة تراب في المحرر، وما نعرفه أيضاً أننا نُقتل أمام صمت دولي رهيب”.
من جهته (محمد بلعاس) صحفي من ريف إدلب الشرقي رأى أن “مسألة السيطرة على الطريقين الدوليين وتطبيق آستانة ما هي إلا خدعة، والهدف الكامن والخفي هو أن النظام يريد السيطرة على كل المناطق على غرار ما حدث في المدن والمحافظات الأخرى.”
أما (أحمد اليوسف) ناشط مدني من ريف إدلب “استبعد وجود اتفاق لتسليم الأوتستراد، فالنظام يعمل على تهجير السكان وتفريغ المنطقة، وهذا واضح من تركز القصف على مناطق محددة تدريجياً، وفي المرحلة القادمة سيتركز القصف على شرق الأوتستراد ثم باقي المناطق، وأرجو أن أكون خاطئاً في ذلك.”
ورأى أحمد أن “فتح الأوتسترادات لن يتم إلا بعد تفريغ المنطقة من سكانها، لذلك لا وجود لاتفاق وما يجري مسلسل تهجير اعتدنا عليه في السنوات السابقة.”
كما قال (سعود صياح) ناشط إعلامي من خان السبل: “إن ما يجري هو مخطط دولي، حيث ربط بين سيطرة روسيا على مناطق المعارضة وسيطرة تركيا على مناطق قسد، فالأمر كله تفاهم دولي، أما بالنسبة إلى الأوتسترادات فالثوار يعلمون برغبة روسيا بالتقدم للسيطرة على طريق M4 وM5 لذلك قاموا بالتحصين ورفضوا مخططات روسيا الرامية لسيطرة النظام على المؤسسات في إدلب، واستُبعد وجود أي خطة تسليم فعلي للنظام، وسقوط المناطق لا يكون إلا بتفاهمات بين روسيا وتركيا، لذلك صمود الفصائل مرتبط بثبات الثوار وصمودهم ودعم تركيا لهم بأسلحة نوعية.”
وأضاف سعود أن “النقاط التركية ليس لها أي دور فيما يجري بهذه المرحلة، بل إن عملها قد يكون في مرحلة تالية فقد تكون المنطقة ثنائية الإدارة بين تركيا وروسيا، أما الآن فلا أرى أهمية للنقاط ضمن المعارك.”
وفي حديثه لحبر أكد المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير النقيب (ناجي مصطفى) أن “الجبهة تتصدى لمحاولات قوات النظام وتلحق بها خسائر فادحة في العتاد والأرواح، كما عززت الفصائل الجبهات بأسلحة وعناصر نوعية وهي على أتم الاستعداد لصد الهجمة.”
الجدير بالذكر أن تركيا قالت: إنها أوعزت إلى روسيا بوقف فوري لإطلاق النار في إدلب، لكن هذا الوقف لم يدم طويلاً كعادته، حيث عادت الطائرات الروسية وطائرات النظام مساء أمس الجمعة إلى استهداف المواقع المدنية بشكل مباشر، وهو ما يزيد ضبابية الموقف ويفتح الباب أمام احتمالات قد تكون كارثية على حياة المدنيين.
ظروف إنسانية صعبة يعاني منها المدنيون في إدلب
نشر فريق “منسقي الاستجابة”، يوم (الجمعة)، إحصائيات حول ضحايا القصف والتصعيد العسكري لقوات النظام وحليفته روسيا جاء فيه:
– يعيش في شمال غرب سورية (4352165) شخصاً، نصفهم من النازحين والمهجرين قسرياً.
– حصيلة الضحايا المدنيين خلال 2019 بلغت (1703) قتلى، بينهم (470) طفلاً، إضافةً إلى مقتل (38) شخصاً من كوادر العمل الإنساني.
– القصف استهدف (504) من المنشآت والبنى التحتية (مدارس، مراكز صحية، أفران، دور عبادة، محطات لتوليد الكهرباء، محطات مياه، مخيمات، مراكز دفاع مدني).
حبر بدورها التقت مع مدير منظمة الدفاع المدني السيد (رائد الصالح) الذي قال:
“بالنسبة إلينا نحن فرق الدفاع المدني، عملنا خلال السنوات السابقة كلها على تقديم كل المساعدة الممكنة لأهلنا في سورية، فخلال الحملة الأخيرة التي بدأت منذ بداية شهر ديسمبر عملنا على البحث والإنقاذ والإخلاء للأهالي المتضررين جراء حملة القصف العنيفة.
وقمنا بانتشال جثامين ١٦٠ شخصاً قتلوا، بينهم ٤٠ طفل، ٣٢ امرأة، وفقدنا ٣ متطوعين من فرقنا.
كما تمكنا من إنقاذ ٢٤٠ شخصًا بينهم ٨٣ طفلًا و74 امرأة من تحت أنقاض الموت، بالإضافة إلى إسعاف المئات ونقلهم إلى النقاط الطبية. كما تم العمل خلال الحملة الأخيرة على معرة النعمان والريف الشرقي لإدلب على إخلاء المدنيين من خطر الموت ونقلهم الى أماكن أكثر أمناً بسبب همجية الحملة واستهداف الطيران الروسي وطيران النظام للمدنيين ومراكزهم الحيوية بشكل مباشر، حيث وصل عدد النازحين خلال شهر ديسمبر فقط إلى ٢١٦ ألف شخص.”
وعن جهود المنظمة لإيقاف الحملة يقول الصالح: “مع الأيام الأولى للحملة أطلقنا نداءات استغاثة وتحذيرات حول الكارثة في حال استمرار القصف على المنطقة، ومع كل هذا ما تزال فرقنا في الداخل السوري برفقة عدد من منظمات المجتمع المدني تعمل بشكل كامل بخطة الطوارئ للاستجابة للوضع الكارثي وتقديم كافة الخدمات الممكنة، حيث تم إطلاق عدة حملات كان أكبرها (أهل العز في مدينة إدلب) وتهدف هذه الحملات لتقديم كافة المساعدات الممكنة من إجلاء مدنيين من أماكن الخطر ونصب خيام في حال توفرها، وتوجيه المدنيين على الطرقات الرئيسة، وتجهيز أرضيات وأماكن لإقامة المخيمات، توزيع مياه الشرب على المخيمات، والعمل على الوقوف على الطرق الرئيسة التي يسلكها النازحين على مدار الـ ٢٤ ساعة لتقديم المساعدة بحال وقوع أي حادث سير خاصة مع أجواء الطقس السيئة، بالإضافة إلى العديد من الخدمات الأخرى.”
ووجه الصالح عبر (حبر) رسالة لأهالي معرة النعمان وكل البلدات التي تتعرض للقصف الممنهج ويرتكب بحقهم جرائم الحرب اليومية؛ جاء فيها: “إننا معكم وسنكون دائمًا إلى جنبكم لتقديم كافة الدعم والمساعدة الممكنة، سنعيد إعمارها وسنعيد إليها الحياة.”
وعن الهدنة المزعومة رأى الصالح أن “أي هدنة أو وقف لإطلاق النار هو لصالح السكان والأهالي؛ ولكن بالتأكيد على شرط الالتزام به، حيث شهدنا خلال الفترات الأخيرة عدداً كبيراً من الهدن واتفاقيات وقف إطلاق النار، لكن كلها كان يتم نقضها بشكل همجي أكثر من قبل، ويتم تدمير ما بناه الأهالي خلال فترة الهدنة تلك، لذلك ندعو المجتمع الدولي والهيئات الإنسانية للضغط بشكل أكبر لتحقيق هذه الهدنة وإلزام روسيا والنظام بالالتزام بها.”
وبالفعل ما هي إلا ساعات بعد حديث حبر مع مدير الدفاع المدني حتى عادت آلة القتل الروسية والأسدية لاستهداف المدنيين بشكل همجي.
وعن جهود حكومة الإنقاذ في المجال الإنساني قال (خالد صليبي) المتحدث الرسمي باسم وزارة التنمية والشؤون الإنسانية: “عملت حكومة الإنقاذ السورية منذ بداية النزوح متمثلة بوزارة التنمية والشؤون الإنسانية على تشكيل لجنة استجابة طارئة، واتخذت إجراءات عدة لاستيعاب موجة النزوح الكبيرة، حيث استُحدثت مراكز إيواء في كل من إدلب وحارم وكفر لوسين، كما تم استنفار كافة الكوادر في وزارة التنمية، وأُرسلت كافة آليات الوزارة لنقل الأهالي من مناطق الجنوب إلى الشمال وتم الاستعانة بالآليات الخاصة لنقل أهلنا وتخفيف المعاناة، وتم تأمين السكن لأكثر من 5000 عائلة بما يقارب 30 ألف نسمة، توزعت في كل من مخيم (الصواغية) ومخيم طوبة ومخيمات متفرقة وتأمين كل ما يلزم، كما تم تجهيز مخيم يتسع لما يقارب 300 عائلة، ولا يزال العمل جار لأحداث مخيمات أخرى وتأمين أهلنا النازحين من المناطق التي تتعرض للقصف الشديد.
كما أكد (ملهم الأحمد) مدير العلاقات الإعلامية في حكومة الإنقاذ في تصريح خاص لصحيفة حبر أنه “حرصاً من حكومة الإنقاذ على مساعدة أهلنا النازحين، ولتخفيف معاناة النزوح عنهم، وزعت مديرية الشؤون الإنسانية في وزارة التنمية بإدلب بالتعاون مع شركة وتد للبترول، أسطوانات الغاز مجاناً على النازحين من ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وقدمت شركة وتد للبترول2000 أسطوانة غاز، وزعت منها 500 أسطوانة غاز مجانًا لأهلنا النازحين من ريف إدلب الجنوبي والشرقي، ونظمت عملية التوزيع وفق قوائم تحتوي على أسماء النازحين المستحقين، وأتممنا التوزيع في 6 مراكز إيواء، كانت قد أنشأتها المديرية مؤخراً؛ حيث وضعت المديرية خطة لتوزيع أسطوانات الغاز خارج المدينة، وذلك لتخفيف الضغط، وتأمين المساعدات اللازمة للنازحين في المناطق الأخرى بالمحرر؛ وتأت هذه الخطوة ضمن خطط وضعتها حكومة الإنقاذ لمساعدة الأهالي النازحين من بطش النظام المجرم.”
مخططات سياسية غامضة وسط غياب دور آستانة واللجنة الدستورية
يبدو أن آستانة واللجنة الدستورية لم تستطع حرف بوصلة روسيا والنظام عن الحل العسكري لخوض عملية سياسية ناجحة حيث قال الأستاذ (ميشيل كيلو) لحبر: “إن هناك خلافات أخرى تؤثر على إدلب منها الخلاف على ليبيا وشرق الفرات، لذلك من المستبعد أن يتم الاتفاق على وقف إطلاق نار دائم في إدلب خصوصاً بعد تصريح (وليد المعلم) من موسكو حول فشل آستانة وسوتشي في القضاء على الإرهاب لذلك من المستبعد وجود تهدئة.”
ورأى الأستاذ (ميشيل) أنه في كل عام نسمع أن الحرب انتهت وبوتين قال أيضاً، لذلك هناك إشكال حول وجود استحقاق سياسي في عام 2020 والنظام وروسيا لا يريدان حلاً سياسياً.
وعن قانون قيصر أشار الأستاذ ميشيل أنه إذا طبق بالطريقة التي صدر بها فسيكون ذا تأثير مدمر على نظام الأسد خاصة أن هناك أربع لجان في الأمم المتحدة طالبت بتحويل الأسد لمحكمة دولية، فيكفي أن توافق أمريكا على هذا الأمر لإنهاء نظام الأسد. ورأى كيلو أنه “مهما حدث فإن النظام لن يستعيد ما فقده من الشرعية والعلاقات الدولية.”
يذكر أن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي قال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، سيبحثان الشأن السوري في 8 يناير المقبل وهو ما يوحي بوجود تفاهمات جديدة يريدها الزعيمين في عام 2020.