أنس إبراهيم
كشفُ الحقيقة يتطلّب ثمناً باهظاً لدمغ العقول الآفنة التي سيطرت الشهوات والأهواء على سقف توقعاتها، والغريب بالأمر أن محدودي التفكير هم الفاتورة المعتادة التي تسدّد بها تكاليف كل المخططات الخبيثة والمؤامرات المتلاحقة دون أدنى موعظة أو اعتبار.
فأثناء الهجمة الأخيرة على مدينة حلب الشرقية وبعد الانتهاء من سيطرة النظام السوري عليها، وانتزاعها من يد المعارضة والقوى الثوريّة المختلفة على كافة الأصعدة، وسحب بساط ساحات المناطق المحررة من تحت قدميها وفق اتفاق روسي تركي مبرم، عبر تكثيف عملياتها العسكرية في حلب وحدها إذ رافق ذلك تجميد معظم الجبهات للجيش الحر من قبل أسيادهم وأصحاب نعمتهم مما أدى:
1. وقوع المئات من القتلى والضحايا، وانتشار جثثهم الهامدة في الشوارع فضلاً عن الضحايا تحت الأنقاض دون وجود أحد لانتشالها.
2. تدمير أحياء حلب الشرقية بشكل شبه كامل.
3. إجلاء المدنيين المحاصرين المتبقين وهو ما يقارب 50 ألف مدني.
أدرك المسلمون ذلك المأزق الكبير الذي وقع فيه أهل حلب، وأفاقوا من غفلتهم بسبب صدمتهم من هول ما حدث في حلب وساكنيها، وكيفيّة تعاطي الجيش الحر مع تلك الأحداث الشاهدة عليهم.
هذا المأزق الذي لطالما حذر منه حزب التحرير مراراً وتكراراً ولكن دون جدوى، إلى أن وقع المحظور، فأدرك الناس بخسارة أموالهم وديارهم وبعضاً من أنفسهم ما لا يستطيعون أن يدركوه بعقولهم. لقد كانت تلك الأشلاء بذاتها وسيلة أساسيّة دون غيرها التي أدت إلى تشكيل جزء يسيرٍ من الوعي لدى عامة المسلمين، ونتج عنه عودة خروج المظاهرات وتصدرها في ساحة الثورة وتقدمها على الجانب العسكري إزاء المجازر والإبادة في حلب، ولكن هل هذه المظاهرات ستثمر بأهدافها بعد درسٍ قاسٍ في حلب؟ وهل ستحدد هذه المظاهرات مسار المشهد العسكري القادم؟ وهل بإمكانها عبر نفَسِها الجديد أن تجمع فصائل الثورة في جسمٍ واحد؟
إلى الآن لم يكن لتلك المظاهرات أي أثر ملموس سوى خوف وتوجس قيادات الثورة من الإتيان بأي عمل فاضح كاشف لتوجهاتها المرتبطة بالداعمين.وقد أظهرت عدة مظاهرات خرجت غضباً لحلب عاطفة هائجة ما لبثت أن همدت بعد سويعات من قيامها ولم تحقق أي مطلب من مطالبها؛ وذلك يعود لجملة من الأسباب:
1. خروجها بشكل فردي وعفوي وآني دون متابعة لجان تنسيقٍ لها تحدد كيفية الحشد والمسير، وكذلك ميعاد انطلاقها وضمان تماسكها كحالة ثورية متجددة لتصحيح المسار.
2. عدم تجهيز لائحةٍ بالمطالب المراد تحقيقها لتفادي مجموع المآسي التي انتكست بها ثورتنا وعدم تكرارها.
3. فقدانها للروح المتجددة المستمرّة المصرّة على تجديد الأشخاص القائمين بمهام الثورة عبر مؤسسات عسكرية ومدنية بعد عسكرتها، عبر ضخ دماء جديدة في هيكليتها.
لا ينكر أحد ما للثورات الشعبية من تأثير على قرارات الأمة ومسيرها بالاتجاه الصحيح، ولا سيما في مثل الثورة السورية التي بدأت ثورة شعبية سلمية وها هي تعود إلى سابق عهدها، ولكن بمفهومٍ مختلف عن بدايتها، وأهدافٍ أكثر وضوحاً في تفاصيل منعرجاتها وكيفية تخطيها.
فلتكن مظاهراتنا ختام محننا وأخطائنا في تحديد أهداف مسيرتنا، وحمل الشاردين عنها عليها شاء من شاء و أبى من أبى.