علي سندة |
لا يمرُّ يوم دون تقرير أو خبر متعلِّق بوجود معركة قريبة يحضر لها النظام بحشد مليشياته على تخوم جبل الزاوية للسيطرة عليه وعلى ما تبقى من سهل الغاب، لبسط نفوذه على طريق M4 وفتحه منفردًا دون مشاركة أحد.
بالمقابل نجد استمرار دخول التعزيزات العسكرية أيضًا من قبل تركيا لتدعيم نقاطها، والرد السريع من قبل الثوار على القصف الذي يطال المناطق المحررة، خاصة جبل الزاوية.
إن استمرار تكرار أخبار حدوث معركة قريبة، والتنبؤ بها، والتعامل مع كل اختراق لهدنة 5 آذار على أنه إرهاصات تلك المعركة دون التطرق إلى ميزان القوى، يزيد من معاناة السكان، ويدخل ضمن إطار المعركة النفسية التي تساعد النظام دون شك.
وبالنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى لنخرج من السطوة الإعلامية المضادة، نرى أن وجود عشرات النقاط التركية بات أمرًا يصعب تجاوزه بالنسبة إلى موسكو والأسد، لكثافة تلك النقاط وآلية تمركزها بالنظر إلى الخريطة وكثرة التعزيزات فيها، إذ بلغ عدد الآليات العسكرية ما يقارب 6000 آلية مع أكثر من 11 ألف جندي تركي، وهؤلاء ليسوا للنزهة مع أفراد الجيش الوطني الحر الذي تعداده بالآلاف أيضًا، فأي معركة قادمة حساباتها باتت صعبة بالنسبة إلى روسيا والأسد، فالأخير بات منهكًا بكورونا الذي تفشى في مناطقه ولا يوجد خطط للسيطرة عليه، يضاف إلى ذلك استمرار تدهور الوضع الاقتصادي مع توقع المزيد من عقوبات قانون (قيصر) التي من المرجح أن تطال شخصيات سياسية سورية مهمة ولبنانية أيضًا.
وأما روسيا فشأنها كما تركيا، إذ لديها من الملفات الأخرى ما يغنيها عن فتح معركة قريبة بإدلب، فمسألة بيلاروسيا التي تَعُدّها روسيا حديقتها الخلفية تشغلها حاليًا؛ لوجود مظاهرات تدعمها أوربا على خلفية تزوير انتخابات 9 آب الماضي وإعادة انتخاب الرئيس (ألكسندر لوكاشينكو) الموالي لروسيا الذي يحكم البلاد منذ عام 1994، حيث ردت روسيا بالدعم والتلويح العسكري، بالإضافة إلى استمرار الصراع في ليبيا وعدم حسمه إلى الآن.
أما تركيا فتخوض في شرق المتوسط حرب نفوذ مع اليونان ربما هي الأعنف لتأمين مستقبلها في الطاقة وتعزيز هيبتها الجيوسياسية، وروسيا في هذا الملف أقرب إلى دعم تركيا في مطالبها، لأن الوساطة ألمانية، وثمة مخاوف روسية من مطالب أحزاب ألمانية مُعارِضة بإيقاف خط (غاز الشمال) لتزويد ألمانيا بالغاز الروسي، جاءت على خلفية تصريحات السلطات الألمانية لتعرض المعارض الروسي (نافالني) للتسمم بغاز الأعصاب، وهنا تصبح تركيا محط تنازع روسي أوربي، وهذا يعزز موقفها في شرق المتوسط ويزيد من دعم روسيا لها، فضلًا عن إجراء روسيا وتركيا تدريبات مشتركة بإدلب متعلقة بالتصدي للهجمات التي تطال الدوريات المشتركة بينهما، وضم تركيا روسيا إلى مناوراتها البحرية شرق المتوسط.
لذلك يمكننا القول إنه رغم التجييش الإعلامي من قبل النظام لمعركة إدلب تبقى في الوقت الحالي غير مجدية وعديمة النتائج في الرسائل التي تتقصد عادة الأطراف إيصالها بدبلوماسية القوة، فالصراع على الأراضي السورية لم يعد عسكريًا بين نظام مستبد وثورة شعبية بمعناه الدقيق، بل بات صراعًا عالميًا جيوسياسيًا يمثل موازين القوة العالمية، فمسألة شرق الفرات لم تعد تعني الشرق السوري بحيزه الجغرافي ومكونه السوري، بل القدم الأمريكية الأنشط عسكريًا في الشرق الأوسط، ولم تعد إدلب والشمال السوري آخر معاقل المعارضة وملجأ النازحين والمهجرين فقط، بل الذراع التركية في حسابات المنطقة الممتدة من شرق المتوسط إلى جبال قنديل، وكذلك دمشق لم تعد تعني نظام الأسد وحده، بل هي ضمن منظومة بوتين التوسعية، وركيزته الأساسية في المنطقة.
ومن هنا فإن أي تحرك على الطاولة السورية بإدلب أو غيرها، بداية نذير بإقصاء لاعبين قد تمتد تداعياته لمشهد أكبر من الجزئية المعنية في الحدث ذاته، وهي خطوة يستعد لها الجميع دون تمنيهم الوصول إليها.