بقلم أنس إبراهيم
منذ قدح شرارة الثورة السورية واندلاعها على يد أطفال درعا، ومن ثم انتقالها إلى العمل العسكري المسلح، لم تدُر أي معركة من المعارك الطاحنة إلا في مناطق أهل السنة وأحيائهم .
فبعدما وصل الثوار إلى قرية جورين التي تقع في أقصى الشمال الغربي من سهل الغاب، وسيطروا على الجبال الوعرة شمالي الطريق الواصل من جورين إلى صلنفة المطلة على القرداحة، بلبل ذلك الأوساط الدولية المتآمرة مع النظام؛ خشية أن تكون نيتهم السيطرة على جورين نفسها؛ إذ تعتبر جورين بوابة الوصول إلى معقل رأس النظام، ولذلك فهي تحتوي على أضخم المعسكرات لتدريب وتطويع الدفاع الوطني لأنها تشكّل طوق الحماية للقرى العلوية.
ولخطورة المنطقة واقتراب الثوار من الساحل السوري توقفّت العمليات هناك؛ لأنَّ المعركة ليست ميدانية فحسب، وإنَّما هي معركة سياسية تتجاذبها القوى الإقليمية والعالمية من خلال فرض إملاءات على الفصائل الموكلة بتوجيهها، وبذلك تكون قد فاتت فرصة ميل كفة الميزان لمصلحة الثوار.
وها هي الآن الفرصة الثانية التي يجب أن ينتهزها الثوار بفتح معركة حماة التي أعلن عنها باسم “غزوة الشهيد مروان حديد” وباسم “في سبيل الله نمضي” بمشاركة عدة فصائل كجند الأقصى التي لم تشارك في معركة حلب، وجيش النصر، وجيش العزّة، حيث استطاع الثوار من بداية المعركة وحتى الآن تحرير 21 حاجزاً، و9 قرى، كما سيطروا على كتيبة الصواريخ الروسية شمال شرق معردس، بالإضافة إلى تدمير العديد من آلياته، وأسر ومقتل العديد من جنوده.
إنَّ لمدينة حماة ذات الخطوط الحمراء أهمية استراتيجية للنظام وحلفائه من الروس والإيرانيين، بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي فهي تتوسط سورية، فمن حماة يمكننا قسم النظام إلى نصفين؛ نصف في الجنوب ونصف في الشمال، كما أنها تعتبر بوابة الدخول إلى المناطق الساحلية التي يقطنها العلويون.
حيث تكمن أهمية معركة حماة الاستراتيجية في النقاط التالية:
- تحرير جبل زين العابدين الاستراتيجي، وتدمير قواعد النظام وترسانته فيه، وكذلك القواعد الروسية المتمركزة فيه، مما يسهّل التقدّم والسيطرة على جسر المزارب الذي يُطلّ على طريق السلمية أهم طرق الإمداد الرئيسة، والوحيد برياً لقواته في حلب.
- تعطيل مطار حماة العسكري من خلال رصده نارياً، الذي يُشكّل نقطة انطلاق عسكرية مهمة للنظام في قصف كافة مناطق الشمال السوري، هذا إن لم يتم تحريره.
- كما أن سيطرتهم على جبل زين العابدين يسهم في تسهيل دخول مدينة حماة والتي تبلغ مساحتها /8883/ ك م2 فقط، والانطلاق منها إلى ريفها الغربي المتمثل بالقرى العلوية. وعندها يتم ضرب أول حاضنة شعبية للنظام وهكذا ينعزل العلويون في قرى الغاب واللاذقية.
- نقل المعركة إلى ريف حمص الشمالي، عبر الاتصال به من ريف حماة الغربي، والوصول ابتداءً إلى مدينة الحولة المحاصرة من قبل النظام، والعمل على فك الحصار عنها، وإنقاذها من تكرار سيناريو التغيير الديمغرافي وإيقافه.
- الالتفات الكامل لفتح حلب وتحريرها، إتماماً للمعركة التي بدأت ولم تكتمل بسبب الإمدادات اللوجستية والبشرية الضخمة التي تلقّاها النظام في حلب إثر إفاقته من صفعة مؤلمة في معركة فكّ الحصار عنها. في ظل جهود دبلوماسية مكثفة لفرض هدنة في “حلب”، والتوصل إلى اتفاق حول خطة إنسانية شاملة خلال الأيام القليلة المقبلة.
- وأخيراً البعد الاستراتيجي الأهم؛ هو السعي لفرض منطقة عسكرية ذات نفوذ واحد في الشمال السوري، والعمل على تشكيل حكومة سياسية تمثل المدنيين وقوى الفصائل العسكرية مجتمعة، وعندها سيتم انتزاع اعتراف عالمي بحكومتنا السياسية.
إنّ تحقيق ذلك ليس بالأمر المستحيل، إنَّه يحتاج فقط إلى إدراكٍ واعٍ لمصالحنا ببعدها السياسي والعسكري، وهذا لا يعني بالضرورة وقوف القوى المتحالفة ضد الثورة مكتوفة الأيدي، وإنَّما هي تجربة جديدة يجب أن نخوضها بمفردنا بعيداً عن الجهات الداعمة، وبخاصة أننا قد رأينا نتائج مسار الثورة ومعاركها ضمن ارتباطها، فذلك الارتباط لم يمنع قتل المدنيين حتى نخاف القتل ونحن منفكين عمّنْ يلعبون دور الصداقة لصالح الشعب السوري. ولذلك فإنّ معارك حماة يجب ألا تتوقف.