جاد الغيث |
في منتصف شهر آب اللهاب، وقريبًا من الساعة الواحدة ظهرًا، حيث أعلى معدل لدرجة الحرارة، كنت أسير مسرعًا متجهًا لدوار (الكفين) في مدينة (أعزاز)، وإذا بصوت يناديني بلهفة: “موتور… يا خال” التفت إليه وإذا بشاب قوي البنية يلف رأسه بمنشفة مبللة بالماء، وجهه شديد السمرة من كثرة وقوفه طوال النهار في زاوية قريبة من الكراج الرئيس في المدينة؛ ينادي على ركابه من الشباب والرجال الذين يمكنهم الانتقال عبر دراجته النارية بسرعة وبأجر أقل من سيارات التكسي التي تكاد تكون معدودة في مدينة تكثر فيها السيارات الخاصة.
الانتقال من مكان إلى آخر عبر الدراجة النارية بأجر معقول خدمة يقدمها أصحاب الموتورات للسكان الذين يبتكرون دائمًا طرقًا جديدة لمواجهة مصاعب الحياة التي تواجههم بشكل مستمر؛ ويبدو أن السوريين دائمًا لديهم الكثير من الأفكار للتحايل على قساوة الزمن.
صعدت خلف (جمعة) كما عرفني على اسمه؛ وفي الطريق، وبعد أن عرف بأنني صحفي، راح يروي معاناته لي قائلاً: “لا وجود لفرص العمل، والمقاعد في المنظمات محجوزة مسبقًا، وأنا طالب جامعي أدرس إدارة أعمال، ولدي زوجة وطفل، وهذا الموتور يساعدني على كسب رزقي في هذه الظروف الصعبة بعد أن تركت خلفي كل شيء في بلدتي (كفرناها) بالريف الغربي.”
ازداد انتشار هذه الظاهرة مع ارتفاع سعر البنزين في الفترة الأخيرة، حيث أصبح من الطبيعي أن ترى مجموعة من الرجال والشباب يقفون في أماكن محددة يعرضون خدماتهم في توصيل الزبائن على الدراجات النارية بعد الاتفاق على أجر يرضي الطرفين.
خدمة مفيدة تنشط صباحًا بين الساعة الثامنة والواحدة ظهرًا؛ ومساء ما بين الساعة السادسة والثامنة، حيث ينتقل الناس بين أحياء (أعزاز) وبين المدينة والقرى المحيطة بها؛ وتسهم هذه الخدمة في تأمين فرص عمل لشريحة من الناس في وقت صعب يعيشه سكان المناطق المحررة.
سابقًا كانت خدمة التوصيل عبر وسائط النقل العابرة (سيارة أو موتور) وتعرف باسم (التقطيع) فقد اعتاد الناس الوقوف على الشارع الرئيس منتظرين مرور دراجة نارية تحملهم في طريقها دون أجر، يكفي أن تشير بيدك لصاحب الواسطة ليحملك معه بكل صدر رحب مقابل أن تشكره أو تدعو له في نهاية الطريق.
لكن تردي الأوضاع الاقتصادية جعل هذه الخدمة مأجورة؛ مع أنه ما يزال هناك الكثير من أصحاب الموتورات العابرين على الطرقات يحملون الناس معهم في طريقهم دون أجر؛ وبطل قصتنا (جمعة) واحد من هؤلاء؛ وحسب آخر ما أخبرني به “إذا خليت… خربت”.