أنس إبراهيم
قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في السابع عشر من شهر يناير الفائت في المؤتمر الصحفي المصادف ليوم الثلاثاء: ” إنَّ المفاوضات المرتقبة في أستانة الشهر الجاري ستضمن للمعارضة السورية المسلحة مشاركةً كاملةَ الحقوق في العملية السياسية”.
واعتبر أنَّ ما كان ينقص المفاوضات السورية حتى الآن، هو مشاركة أولئك الذين يؤثرون فعلا على الوضع الميداني.
وأكَّد “لافروف” أنَّ مشاركة هؤلاء القادة الميدانيين في العملية السياسية يجب أن تكون كاملة الحقوق، بما في ذلك دورهم في صياغة الدستور الجديد وملامح المرحلة الانتقالية.
عادة ما تتدرّج تصريحات السياسيين من الغموض إلى الوضوح، ومن التعميم إلى التخصيص، تبعاً لمختلف الظروف الدولية سواء كانت عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، وبخاصة ريثما يتمُّ تهيئة الوضع إقليمياً وعالمياً لأية طروحات جديدة لتقبّل ما لا تستسيغه المنطقة التي تمتدُّ أطماع المتآمرين إليها.
وها هي تصريحات لافروف مؤخراً جاءت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، منذ بدء سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية بتاريخ 30 سبتمبر 2015، إذ رسم ملامح المفاوضات المنعقدة في الأستانة بدقة أكثر من ذي قبل، من خلال إشراك القادة الميدانيين في العملية السياسية بما في ذلك صياغة الدستور الجديد للمرحلة الانتقالية يداً بيد مع النظام السوري.
وقد جاء ذلك عقب تصريح سابق له: ” لا نستبعد مشاركة المعارضة العاقلة التي لا تفكر بإقامة الخلافة، ولا تسعى إلى الاستيلاء على السلطة، والتي تفكر في وحدة البلاد ووحدة أراضيها، وأن تبقى سوريا علمانية “.
لا نريد أن نناقش فكرة العقيدة هنا بقدر ما نريد أن نسلط الضوء على أهداف الثورة البديهية ومصالحها المتآكلة، وإن كان لهذه التصريحات مدلولات خطيرة على الأمة الإسلامية.
إنَّ أخطر ما في هذه المفاوضات مقارنة بسابقاتها، هو تفريغ الشحنة الاندفاعية الشعبية للثوار تجاهها، من خلال سلسلة خطوات إجرائية أدَّت إلى خلق موجة عارمة للخلاص من هذا الواقع السيّئ بأبخس الأثمان.
وكما هو معلوم أنَّ الضعيف في الحرب ضعيف في السلم، فإنَّ روسيا ومن ورائها المنظومة الدولية لعبت على هذا الوتر، فحينما تبيّن لهم شوكة الفصائل وشكيمتها في الحرب رغم تفرقها، وتمسك شعبيتها بالثوابت الثورية، قررت تطبيق نظرية الصدمة على الشعب السوري ليتم تغيير قناعاته، ومن ثمَّ خضوعه لكافة الحلول التي طرحها دي ميستورا.
مراحل تطبيق الصدمة المفاجئة آتت أكلها في سقوط حلب بعد زمن طويل من استراتيجية إلهاء الثوار بإمكانية مدهم بالسلاح النوعي بالتدرج حيناً والتأجيل حيناً آخر، وهم بذلك يعملون على تضخيم المشكلة لنبحث عن الحل دون هدفنا الرئيسي للثورة.
ومع كلِّ هذه المماطلة بدأ يسري في نفوس شعبية الثوار شعور ذاتي بالذنب للقيام بالثورة التي طال أمدها.
إنَّ هذه الخطوات أدَّت إلى فقدان شعبية لا بأس بها لصالح الثوار، وخاصة أنَّ حالة عدم الاستقرار باتت من سمات المصطفين إلى جانبها (كالتشرد والنزوح والقتل والدمار)، فيما تمَّ صعق البقية المتبقية منها بالصدمة الكبرى في حلب، بتآمرهم عليها وتهاويها أمام أعينهم.
إنَّ تصريحات لافروف إبَّان مؤتمر الأستانة تسوق للثوريين الشرفاء تمثيل قياداته العسكرية العاملة على الأرض بعد رفضهم لكلِّ المعارضة الخارجية، كممثل قادر على تقرير مصيرهم والحائز على قبولهم، وبخاصة بعد الخسارة التي مني بها الثوار في حلب، وإصابتهم بحالة صدمة مذهلة أفقدتهم القدرة على إدراك ما حدث، وأشعرتهم بالعجز في الوصول إلى أي حلٍّ يمكنه التطبيق مع وجود روسيا، بينما حملت التصريحات ذاتها تضميناً بإغراء أولئك القادة المفاوضين بتسلم دفة المرحلة الانتقالية في حال الخروج بصيغة توافقية تحت مظلة الطرح الروسي كممثل عن النظام السوري.