عبد الله عتر |
من يملك خزائن العالم يملك التشريع لهذا العالم.. هذه هي الرسالة العميقة التي تقدمها سورة الشورى في الآية (12)
((لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)).
الكلمة المفتاحية في الآية الأخيرة هي المقاليد، والمقاليد جمع مقلاد وهو المفتاح، وتطلق على “الخزائن” وعلى “مفاتيح الخزائن”، ومن يكون له المقاليد يكون له الخزائن والمفاتيح معًا.
أما خزائن السموات والأرض فهي خزائن كل شيء مادي أو معنوي، حيث تسع خزائن الله كل شيء في عالم السموات من الكواكب والنجوم والمجموعة الشمسية وقوانينها المعقدة إنما هي في خزائنه، وكل شي في عالم الأرض من الغلاف الجوي والبحار والنفط والمياه والغابات والمجتمعات والدول إنما هي في خزائنه ومفاتيحها بيده، كذلك خزائن الرزق والصحة والسعادة والطمأنينة والقوة والألفة الاجتماعية والمجتمع المستقر والأسرة المتماسكة والإصلاح والتغيير، كل هذه الخزائن بيد الله، ومفاتيحها بيده أيضًا هو الذي خلقها وأتاح لنا شيئًا منها من خلال التسخير.
للخزائن مفاتيح
نثر الله أمامنا مفاتيح الكثير من الخزائن، من أراد أن يأخذ شيء من تلك الخزائن عليه أن يستخدم مفاتيحها ليفتحها الله له، فمن استخدام تلك المفاتيح التي وضعها الله فتح الله له من تلك الخزائن، ومن أعرض عنها لن تنفتح له خزائن أي شيء. وإنما يفعل ذلك وفق حكمة، “ترابط المشيئة والحكمة”، ولذلك قال: ((يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)). ولا يجوز أن نطلب شيئًا من خزائن العالم بدون استخدام مفاتيحه التي وضعها الله له.
فمن أراد تحسين وضعه المادي عليه أن يستخدم مفاتيح كسب المال، ولا يمكن أن يحصل على ما في خزائن الرزق المادي دون استخدام المفاتيح، ومن أراد أن يحصل على مقدار من خزينة الصحة والعافية عليه أن يستخدم تلك المفاتيح المتعلق بنظام الغذاء والرياضة ونحو ذلك. دائمًا سنجد أن خزائن العالم والحياة لها مفاتيح خاصة لا يمكن الحصول على ما في الخزائن بدونها.
نحن نستخدم ولا نملك
في الحقيقة نحن لا نملك شيئًا من تلك الخزائن، إنما نملك الاستخدام، الفرق بين المالك والمستخدم أن المستخدم يأتيه وقت يمكن فيه أن يُغلق حسابه (مثل النت والبنك)، أما المالك فلا يوقف أحد حسابه، وإذا نظرنا في حياتنا نجد أن مفاتيح كل الخزائن التي نسحب منها معلقة بمفتاح واحد، وهو مفتاح الحياة الذي نسحب بواسطته من خزينة الحياة ما يمكننا من البقاء أحياء، مفتاح بدء السحب من الحياة ليس بيدنا، حيث منحنا الله الحياة حين خلقنا في بطون أمهاتنا، أما مفتاح نهاية الحياة فلا نملكه أيضًا، لا يدري أحد متى يموت وليس هناك إمكانية لمواجهة الموت، حيث يغلق حسابنا في خزينة الحياة فجأة، وتغلق معه كل الخزائن الأخرى.
بما أن الله له مفاتيح الكون والحياة فيجب أن نعود إليه لنعرف كيف نجد تلك المفاتيح وكيف نستخدمها، فقد نستخدم مفتاحًا نظنه مفتاح خزينة السعادة، فتصدمنا النتائج أنه كان مفتاحًا للشقاء والبؤس، وقد يأتينا موقف لا نعلم ما هو المفتاح فيه بالضبط، فنحتاج إلى العودة للوحي والاجتهاد والتشاور. وإذا فتحنا خزائن الحياة بغير المفاتيح المشروعة من صاحب الخزائن سيكون الفساد. ولذلك سيأتي في الآية التالية أنه هو الذي يشرع الدين، فهذه الآية تمهيد في بناء الأساس الكوني المنطقي للدين والتشريع، من يريد الحصول على مجتمع قوي وحياة اجتماعية عادلة وخيرة لا يمكنه أن يفعل ذلك إلا بمفتاح الشورى، هذه الخزينة هذا مفتاحها.. اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.