محمد نعمة |
لماذا سليماني؟
قاسم سليماني هو الخامنئي وإيران خارج الحدود، فقد ظهر في كل حرب تراها السياسية الإيرانية حرب مصالح (مقدسة) عبر العراق وسورية ولبنان واليمن، وأمريكا تدرك ذلك جيدًا.
وبناءً عليه قررت اغتيال ما صور كرمز انتصار لإيران، في الثالث من يناير 2020 ، بحجة أن معلومات استخبارية أفادت بتخطيطه لهجمات على مصالح أمريكية، بالإضافة إلى ما قاله ترامب في 8 يناير إن سليماني هو المسؤول عن مقتل جندي أمريكي بالهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد، و خلف الاغتيال رسالة واضحة مفادها أن أمريكا انتهت من عصر مسايرة الإرهاب، كما قال بومبيو، و الاغتيال ترجمة للإستراتيجية الأمريكية الجديدة في التعامل مع إيران كداعش و القاعدة، إذا اضطرت لذلك، ممَّا يعني أن كل جنرال إيراني أو داعم لسياساتها خارج الحدود قد يكون هدفًا أمريكيًا مستقبلاً و الأمر قد لا يقتصر على سليماني.
أما المبررات القانونية فلا أكثر منها، ففيلق القدس وجنراله المغتال هما مصنفان كإرهاب بحسب اللوائح الأمريكية ذات الشأن، فضلاً عن اعتداء إيران على السفن التجارية الغربية في الخليج العربي وإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار العام الماضي.
إيران … جعجعة بلا طحن
تلقفت إيران رسالة بومبيو، و قال سياسي إيراني: “هذا يعني أن كل قيادي إيراني في خطر إذا لم نرد” ممَّا أحال السياسية الإيرانية لخطة (صناعة الأيقونة) لجعل الشعب ينسى أزماته الاقتصادية واحتجاجاته وقمع المظاهرات، والخطر المحدق بالدولة، وتصور الشعب على درب من سمي شهيدًا عبر تشيع سليماني كبطل قومي لمدة ثلاث أيام، لكن ذلك وضع إيران أمام التزام برد على مستوى الأيقونة والرمز المغدور، فتوعدت برد مزلزل على مستوى دولتها وأذرعها، وهي تعلم ضمنًا أن قوتها لا تعادل أي وعد بمحاربة أمريكا.
وفي 7 يناير أعلنت قصف قاعدة الأسد وأربيل الأمريكيتين بالعراق، وادعت قتل 80 جندي أمريكي، كما نقل إعلامها الموالي، لكن أمريكا علمت بالضربة قبل ساعتين عبر العراق وحكومة أربيل واتخذت إجراءات بحيث لا تخسر جنديًا واحدًا وهذا ما حدث.
لقد استهزأ محللون سياسيون أمريكيون بالرد الإيراني على القنوات التلفزيونية، بالإضافة إلى التشكيك بفيديوهات القصف وأماكن سقوط الصواريخ حول القاعدة لا عليها، كما قال إعلاميون، وبهذا السياق لا بد من التذكير أن سياسة الكذب والتهويل الإعلامي قد لا تنجح على المدى الطويل، لقد وعدت إيران برد مزلزل وسيسأل المواطن الإيراني المؤيد والمعارض يومًا ما عن قتل سليماني وماذا فعلت إيران ومن قتلت به؟ كما أن تشديد وزيادة العقوبات الأمريكية التي أعلن عنها ترامب في خطابه بعد الرد الإيراني المزعوم سوف يعيد إيران إلى المربع الأول ويضعها ثانيةً أمام تحدي إرضاء شعبها الذي يعاني أزمة اقتصادية .
إيران تقع في الفخ الأمريكي
الإرهاب نفسه تمارسه السياسة الإيرانية وسليماني منذ 8 سنوات، فلماذا جاء الاغتيال الآن؟
أشارت معظم التحليلات السياسية إلى لأن ترامب يُصدِّر أزمته الداخلية المعروفة بقضية عزل الرئيس بصرف أنظار الإعلام عنها عبر قتل ما دعته الإدارة الأمريكية بأكبر إرهابي دولي وتصوير ذلك على أنه نصر، بالإضافة إلى قتل البغدادي، ونجل بن لادن سابقًا، مما يجعل ترامب بطلاً أيضًا بنظر الشعب الأمريكي في محاربة الإرهاب العدو الأول لأمريكا منذ أحداث 2001، مما سينفعه في انتخاباته القادمة.
(إذا كانت حسابات إيران على مستوى المنطقة، فحسابات أمريكا على مستوى العالم)
ربما لم ينتبه أحد لأن ترامب ينصب شِراكًا لإيران باغتيال سليماني دافعًا إياها للرد على صعيد الاتفاق النووي بأن تصعِّد ضد أمريكا وتنهي العمل بالبند الخامس، الخاص بعدد عدد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، من الاتفاقية التي وُقعت زمن إدارة أوباما 2015 وبذلك يُنهي اتفاقية هو من أشد معارضيها، وفي الوقت نفسه يجعل فرنسا و أوروبا تقطع شعرة معاوية كونها كانت تدافع عن العلاقات مع إيران وعن الاتفاقية المذكورة وتلتزم بها، فضلاً عن إعلان فرنسا محاولة الالتفاف على العقوبات الأمريكية لاستمرار العلاقات الاقتصادية مع إيران سابقًا، فأوروبا تورطت منذ الاتفاق النووي بعشرات الصفقات الاقتصادية مع إيران وتحاول ألا تخسرها، ولذلك رفضت الانسحاب مع ترامب من الاتفاق، واستفادت إيران من صف زمرة من شعبها خلف جثمان سليماني، واستفاد ترامب بصف الدول الغربية خلف القيادة الأمريكية مجددًا ونقل الخلاف من أمريكي أوروبي على الاتفاق النووي إلى أوروبي إيراني على الاتفاق المذكور، ولا أدل على ذلك من أسف دول أوروبا على إنهاء عمل إيران بالبند الخامس أولاً، وإدانتهم لقصف القواعد الأمريكية ثانيًا.
ووفق هذه الرؤيا تصبح تصريحات ترامب الأخيرة بأنه يمد يد السلام لإيران مع التشديد على أنها لن تحصل على سلاح نووي أبدًا، فإيران فقدت أي خلاف غربي حولها كانت سوف تستفيد منه، ويتوجب عليها بالتالي العودة إلى أمريكا لعقد صفقة نووية جديدة.
الكلام السابق يُعد احتمالًا حول وجهة النظر بالتصعيد الأمريكي الإيراني، أما الاحتمال الآخر، فهو ربما أن استخدام مبدأ التصعيد ينهي التصعيد المعمول به في السياسية كأزمة كوبا النووية، إذ إن إيران و أمريكا سارتا بتصعيد الخطاب السياسي ضد بعضهما منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي 2018، وأصبحت إيران تضرب خبط عشواء في الخليج العربي والعراق وسورية ضد كل ما يعتبر مصالح أمريكية من قريب أو بعيد، يأتي ذلك في ظل حصار اقتصادي خانق لا زالت إيران تسير عبره وتتجاوزه ولو على قدم وساق بمساعدة روسيا والصين، وعند هذه النقطة تحديدًا شعرت أمريكا بوجوب تنفيذ ضربة تربك إيران وتضعها أمام ضغط جديد هو إستراتيجية اغتيال القيادات، أو قلب طاولة المفاوضات مرغمة، ولأن الاحتمال الأول الذي هو تصعيد ليس في صالح أحد، ستتجه إيران ولو مستقبلًا للخيار الثاني لإنهاء التصعيد، لذلك نُقل عن ترامب قوله إنه مستعد الآن للتفاوض مع إيران.
الإعلام العربي يُهلل لكن ماذا عن موقف العرب؟!
البطولة نسبية، والبطل القومي في نظر أمة ما قد يكون محض إرهابي أو مجرم في نظر أمة أخرى، وسليماني حقًا كذلك، فهو مجرم في نظر قوى التحرر من الهيمنة الإيرانية في المنطقة، من هنا سعى الإعلام العربي ذو الشأن لتصوير جرائم إيران وسليماني وعدَّها بمناسبة مقتله للتذكير بها كأن الشعب نسيها، ومن ثم تضخيم العملية الأمريكية الأمر الذي أدى إلى تضخيم شخص سليماني نفسه، متناسين أنه في النهاية قتل بجريرة جندي أمريكي اتهم بالتدبير لقتله، كما صور البعض العملية العسكرية كانتقام للسعودية والإمارات من التصرفات الإيرانية في المنطقة، ولو كان الأمر كذلك لجاء اغتيال سليماني بعد قصف أرامكو منتصف أيلول 2019، في حين هرعت دول الخليج من كل حدب و صوب تطلب التهدئة خوفًا من تصعيد محتمل قد يُهدد أمنها أو اقتصادها، ممَّا يدفع البعض لاعتبار إيران دولة ذات شأن بالنسبة إلى لضعف الذي يبديه رؤساء العرب، فهي على الأقل مثلت دور الرد، لكن رؤساء العرب في دول الخليج يستثمرون في انتصارات غيرهم إعلاميًا لصالحهم دون التفكير بأي رد واقعي يناسب حجم تهديد إيران للمنطقة.