بقلم : أحمد رجاء الشامي يقول ابن خلدون: “إنّ المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونِحلته، وفي سائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه”.إنَّ مسألة التفكير مسألة في غاية الأهمية، وهي المرحلة الأولى التي لابدّ منها للعقل الإنساني قبل إنجاز أي عملٍ من الأعمال، وبقدر رقي التفكير عند الأفراد ترتقي الأمم والحضارات. كما أنّ الاهتمام بالجانب التفكيري هو ما يجنبنا مقولة ابن خلدون السابقة في سبيل الرقي والتقدم .التفكير: هو مرحلةٌ متقدمةٌ من مراحل التقدم والبحث وهو يختلف عن الفكر، باعتبار الفكر جانباً صورياً في العقل البشري ينشأ بفعلٍ تراكميٍ للثقافة والخبرات، بينما التفكير هو الجانب الذي يمثل أولى خطواتِ الممارسةِ أو الفعل .ولا بدَّ من عنصرين أساسـيين يجب أن يتوافـرا في الفرد حتى يتمكّـن من ممارسـة تلك الوظيفـة (أي التفكير) بوجهها الصحيح، هما: الوعي و الحرية .الأول: يتمثل في معرفة الإنسان لمقتضى وجوده وغاياته في هذه الحياة، أمَّا الثاني : فهو الذي يحكم على الأول بالفاعليّـة أو التعطّـل أو التبعيّـة .وكما أنَّ لكـل أمّةٍ من الأمم سـماتٍ عامة تحـدِّد مستوى رقيِّهـا الفكـري، فإنَّ لكـلِّ أمَّة من الأمم سماتٍ عامة تحـدِّد طرائق تفكيـرها، وذلك في المسـتوى الجمعي للتفكير، وهو ما يُطلق عليه اسم (عادات التفكير) .وهي تلك العادات التي تتسم بها الغالبية الكبرى من أفراد المجتمع، والتي تحددها تلك التيارات الفكرية السائدة فيه، سواءً أكانت تياراتٍ دينية عقائدية أم عرفيَّة اجتماعية .ويترتب على هذه العادات عائقان خطيران على الأقل، يتمثل الأول في كون أنّ صاحب الدعاية إذا علم بالعادات التفكيرية لسامعيه يستطيع استعمالها سلاحاً له، والثاني: أن عادات التفكير قد تكوِّن فينا ميلاً إلى إغلاق الذهن دون الأفكار الجديدة، فصاحب الخطاب مثلاً يبدأ خطابه بأقوال تلائم تماماً تلك العادات وتضرب على نغمتها، ومن هنا يستطيع أن يمضي إلى قول أشياء كان من المحتم أن يكون نصيبها الرفض من سامعيه بتأثير عادات تفكيرهم، لو أنّه قالها في بادئ الأمر .ولا يكمنُ الحلُّ أو الخروج من هذه المشكلة بتكوين عاداتٍ تفكيريَّة جديدة، فأغلب الذين لديهم أفكار مغايرة للخط المستقيم المتبع في أمور الدين والتقاليد المتعارف عليها يواجهون خطراً مماثلاً يُغلق عقولهم في وجه العقائد الجديدة أو الصحيحة، وهو أنَّهم قد يتربى عندهم عادة الكفر بالأمور عناداً ليس إلا، لأنَّ الناس الآخرين يؤمنون بها، وبذلك يرفضون جلَّ ما يؤمن به المجتمع مهما كان صحيحاً .ولعلَّ الحلَّ يكمن في المراحل الأولى من تكوّن تلك العادات، وهي المراحل التي يتكون فيها الفكر منذ الطفولة، لذلك يجب أن يكون من أغراض التربية والتعليم العمل على تكوين ما يعرف بالمرونة العقلية، والتي يجب أن تُفسر على أنّها العقل الساعي وراء الحقيقة أينما وجدت، ذلك العقل الذي يتمتع بالوعي والحرية.