لم يصدق الحلبيون تلك الكذبة التي اجترها ومازال النظام مراراً وتكراراً عن معابره الإنسانية التي يجب أن تنقذهم من سوطه ونيرانه وحمم حلفائه الروس ومرتزقته من الإيرانيين وأتباعهم، ولم تفلح مسرحياته التي ينتجها مع شبيحته ويبثها عبر إعلامه الرسمي وغير الرسمي عن استقباله للعائلات التي فرت من جحيم حلب الشرقية والتجأت إلى القاتل الرحيم في اقناع الصامدين بالتخلي عن أرضهم وبيوتهم وأهلهم وثورتهم .
ما لا يفهمه النظام أو ما يحاول تجاهله، أنّ دماء أهالي حلب لم تجفّ بعد عن فوهات مدافعه وركام الدمار الذي يصنعه كلّ يوم في حاراتها وأزقتها، فكيف يمكن للضحية أن تلتجئ إلى جلادها، وكيف يمكن للهارب من الموت أن يهرب نحو قاتله، والذي لم يفرق يوماً بين مدنيٍ أو عسكري، وبين جبهة قتال أو ساحة مدرسة أو مشفى أو سوق يجتمع في الناس ليقتاتوا على ما تبقى في المدينة المحاصرة .
بكل صفاقة يحاصر النظام المدينة ويقصفها ويدمرها ويُجوّع أهلها ويقتل كل حيٍّ فيها، ثم يطلب من الموتى أو أشباههم العبور إلى مقصلته لكي يتابع ذبحهم ولكن بطرق أكثر تنظيماً، ففي اليوم الأول من العبور المزعوم قام قناص النظام المجرم برصد الأرواح التي اقتربت من انسانيته، وهي تعاين هذه المعابر لترى إن كان الجلاد صادقاً، فجاءها الرد كما ينبغي لقاتل محترف، وأردى القناص حوالي عشرة أشخاص أمام معابره .
لا يُلام المتعب حدّ الموت إذا حمله جنونه وخوفه للذهاب نحو قاتله أملاً في بقية رحمة تحفظ ما تبقى من حياته وحياة أبنائه، ولا عار لثائر بذلك إذا هدَّهُ القتل المتواصل، ففي هذه الثورة يفهم الجميع أنّ القدرة على المقاومة تتفاوت من شخص لآخر .. ولكن صوت حلب قاله أبناؤها في مظاهراتهم التي عمت أرجاء المدينة المحاصرة، والتي أعلنوا فيها كلمتهم: “بأنً الموت جوعاً وقتلاً أهون عليهم من الموت ذلاً وعاراً” .. وعلى هذا مايزال قَسَمهم الذي أقسموه منذ أكثر من خمس سنوات حاراً بحرارة دمائهم المسفوكة في سبيله حتى يرضى الله وتنتصر الثورة .
المدير العام / أحمد وديع العبسي