محمد أمين
فرضت التطورات العسكرية المتلاحقة حول مدينة منبج نفسها على المشهد السوري المتأزم، وبدأ سباق جديد بين قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا، وبين قوات النظام ومليشيات تساندها للوصول إلى هذه المدينة الاستراتيجية الواقعة شمال شرقي حلب، في مسعى من الطرفين لتثبيت الأقدام في جغرافيا الشمال السوري، وتغيير خارطة السيطرة في سياق الصراع في وعلى سورية.
وأتى تسليم “قوات سورية الديمقراطية” التي تشكّل مليشيات “وحدات حماية الشعب” الكردية ركنها الأساسي، عدة قرى في ريف منبج لقوات النظام، ليؤكد مدى التحالف الذي يربطهما والتنسيق العالي بينهما، في سياق محاولات القضاء على المعارضة السورية، والذي تجلى في العديد من المواقع على مدى سنوات.
لكن “الجيش السوري الحر” يؤكد أن ما قامت به الوحدات لم يفاجئه، وفق قيادي بارز في عملية “درع الفرات” التي تدعمها أنقرة. وشدد على أن معركة استعادة منبج من هذه الوحدات قريبة على الرغم من التحالفات القائمة. وأقر ما يُسمّى بـ”المجلس العسكري لمنبج وريفها” التابع لـ”سورية الديمقراطية”، أمس الخميس، أنه سلّم قوات النظام “القرى الواقعة على خط التماس مع درع الفرات، والمحاذية لمنطقة الباب في الجبهة الغربية لمنبج”. وأضاف أن التسليم جاء “بهدف حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب والدماء وما تحمله من مآسٍ وحفاظاً على أمن وسلامة مدينة منبج وريفها وقطع الطريق أمام الأطماع التركية باحتلال المزيد من الأراضي السورية”، وفق بيان صدر عن المجلس المذكور.
وكانت “سورية الديمقراطية” التي تضم خليطاً غير متجانس من المليشيات، تراهن على تفاهمات دولية تحول دون انصياعها لرغبة المعارضة السورية في الخروج من مدينة منبج، والعودة إلى شرقي نهر الفرات. ولكنها فوجئت بتقدم سريع من قوات المعارضة باتجاه منبج لحسم مصيرها، بعد ظهور بوادر على نيّة “وحدات حماية الشعب” الكردية الهروب إلى الأمام من خلال تسليم هذه المدينة الاستراتيجية إلى قوات النظام. وتعتبر المعارضة السورية المسلحة منبج البوابة الحقيقية نحو الرقة معقل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). فمن دون السيطرة على المدينة لا يمكنها التوجه شرقاً ومن ثم لا يمكنها دخول السباق إلى الرقة، وهي المحافظة السورية الاستراتيجية التي تسعى “الوحدات” الكردية إلى أن تكون رأس الحربة في معركة انتزاع السيطرة عليها، لتوسيع النطاق الجغرافي لإقليم انفصالي تعمل على تشكيله في شمال وشمال شرقي سورية.
ويحصل كل ذلك في ظل إصرار تركي واضح على دعم “الجيش السوري الحر” لانتزاع السيطرة على منبج لوضع حد نهائي لمحاولات تبذل من قبل قوات النظام ومليشيات “الوحدات” الكردية وصل مناطق سيطرتهما جغرافياً لفتح طريق بري طويل يمتد من الحسكة شمال شرقي سورية إلى حلب ومنها إلى باقي مناطق سيطرة النظام. ونجاح هذه السيطرة يعني تسهيل نقل النفط والحبوب من الحسكة إلى مناطق النظام. كذلك يسهّل هذا الطريق للمليشيات الكردية تأمين ممر بري آخر يربط مناطق سيطرتها في شرقي الفرات بمنطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية شمال غربي حلب.
وبدأت أنقرة أمس الخميس، بدفع المزيد من التعزيزات العسكرية إلى جنوب البلاد لدعم قوات “درع الفرات”، في إشارة واضحة إلى نيّة وزارة الدفاع التركية الاستعداد لتصعيد عسكري بات مرجحاً في الشمال السوري.
وعلى الرغم من الاشتباكات بين قوات “درع الفرات” وتلك التابعة لـ”الاتحاد الديمقراطي” (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني)، أكد وزير الخارجية التركي، جاووش أوغلو، أن العملية التي تهدف إلى طرد قوات “الاتحاد الديمقراطي” من مدينة منبج لم تبدأ بعد. وقال “سنذهب إلى منبج بعد الانتهاء من الباب، العمليات لم تبدأ بعد، قد يكون هناك بعض الاشتباكات على الأرض، ولكن العملية التي خططت لها قواتنا لم تبدأ بعد”. وأضاف “نعلم أن القوات الخاصة الأميركية موجودة في المنطقة، وفي الأصل نعلم بوجود قوات الاتحاد الديمقراطي في المنطقة، وطلبنا من الإدارة الأميركية الجديدة يتمثل في انسحاب قوات الاتحاد الديمقراطي في أسرع وقت ممكن من منبج”. وحذر الوزير التركي قائلاً “إن لم تنسحب قوات الاتحاد الديمقراطي الآن من منبج، بطبيعة الحال سنوجه لها الضربات، وهذا أمر تحدثنا عنه في وقت سابق وليس شيئاً جديداً”.
ورأى القيادي في “الفرقة 13” التابعة لـ”الجيش السوري الحر”، المقدم أبو حمود، أن مليشيات “الوحدات” الكردية وقوات النظام تحاول عزل المعارضة السورية المسلحة عن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” من خلال تسليم مدينة منبج لقوات النظام. وأضاف أن الهدف يتمثل في “وضع العراقيل أمام قيام المعارضة بتحرير الأراضي السورية من التنظيم”. وقال: “لن نتوانى عن تحرير أرضنا على الرغم من كل التفاهمات”.
وأكد القيادي في “فيلق الشام” التابع للمعارضة، النقيب سعد أبو الحزم، وهو من الفصائل البارزة المشاركة في “درع الفرات”، أن معركة انتزاع السيطرة على مدينة منبج “قاب قوسين أو أدنى، مهما كان اسم العدو الذي يحتلها”، وفق تعبيره. وذكر أن قيام “الوحدات” الكردية بتسليم قرى في منبج إلى قوات النظام لم يكن مفاجئاً. وقال “نحن نعلم أن الوحدات الكردية متعاملة مع النظام، وقلنا هذا سابقاً. معركتنا واحدة لم تتغير، لأن العدو هو نفسه”، على حد وصفه.