فلك أحمد
نمضي في هذا الطريق الطويل ولا نعرف نهايته، نحمل أوجاعاً لا طاقة لنا بحملها، نتعرض لمواقف تكشف لنا وجوهاً مخبأة تحت الأقنعة ولكن رغم كلّ ذلك نصل إلى نتيجة أن كل ما يحدث من صنع أيدينا ونحن سببٌ في ذلك.
قامت الثورة على عدة شعاراتٍ سعت لتحقيقها ولكن في الحقيقة بقيت شعاراتٍ تتعالى في المظاهرات والشوارع والمجلات وغير ذلك آملين تحقيقها ولكن دون جدوى لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم فعلينا قبل أن ننادي في تغيير الحكومات أن نبدأ بأنفسنا قبل غيرنا لأن كل شخص عليه أن يؤثّر على الآخرين.
وأبرز مشكلة تواجهها المناطق المحررة هو ما يحصل في المدارس والمعاهد والجامعات من تسرب وفساد وفوضى ومشاكل عديدة.
فالمدارس قديماً كانت من أجل العلم والنهوض بالإنسانيّة إلى مستوى أعلى أما الآن فلننظر إلى مدارسنا وما آلت إليه وهل الطلاب يأتون إليها طلباً للعلم؟
طبعاً لا فالمدرسة أصبحت ملهاةً للطلاب عن طريق اللهو واللعب والرسم وأصبحت أكثر الحصص ليست للعلم بل للعب عدا عن ذلك فالمدارس من هذا النوع تغري الطلاب بالهدايا والألعاب وغير ذلك من وسائل تحفيزية وتضم أكبر عدد من الطلاب لكننا لم ننتبه إلى هذه الثغرة الكبيرة وأثرها على أولادنا.
فالدّاعم الذي ينفق الأموال والدولارات على هذه المشاريع لا يريد مساعدتنا بل يساعد في دمارنا لأنه يعرف أن جيلنا القادم هو المعوّل عليه في بناء الوطن فكيف نوصله في هذا الدرب؟
تلك المشاريع تهمُّ الجهاتِ الداعمة وإقامتها ستعود على المنظمة بأرباح كبرى وستعود على المجتمع أيضاً بخساراتٍ كبرى ففي حين ننفق نحن الأموال على مشاريع ترفيهية -قد تكون يومية – يعاني عدد كبير من المدرّسين من عدم توفّر داعم يمنحهم رواتبهم أما أطفال المخيمات فحدّث بلا حرج فهم دون كتبٍ وصفّهم بلا سبّورة ويفتقدون أدنى مقومات العمليّة التعليميّة.
علينا أن نعي هذه المشكلة الكبيرة التي فرضها علينا الدعم الخارجي فأصبحت إدارتنا فاشلة وأطفالنا يذهبون إلى المدارس لا للعلم بل للعب فهي تقوم بإشغال هذا الجيل ونحن لا ننكر أهمية المرح والترفيه في المدارس لكن لا يجب أن تنال هذه الأمور أكثر من حقها فالدعم النفسي ودروس الرياضة والرسم لا يجب أن تتساوى مع المادة العلمية في عدد الحصص الدراسية والأهمية والحفلات المدرسية لابد أن يكون وراءها سببٌ واضح كتكريم المتفوقين أو ربما غرس قيمة إنسانية أو الاستفادة من تعلّم بعض الفنون كالرسم والتمثيل المسرحي وغيرها من الأمور المهمّة ولا تجب أن يكون الاحتفال لمجرد أن نحتفل فقط.
أما المنظمات عندما تذهب إلى مدرسة بغية دعمها فهي توكل مديرها بانتقاء الكادر والمدير وهو بدوره يقوم بانتقائهم ليس حسب الشهادة والخبرة طبعاً بل حسب المعرفة والواسطة وبذلك تقضي المنظمة على أشخاصٍ وعلى أجيالٍ لأنّ صاحب الشهادة والخبرة غير مرغوبٍ فيه إذا لم يكن لديه واسطة تقرِّبه من المدير!
أما في المعاهد والجامعات فنلاحظ اللامبالاة وكأن طالب المعهد عندما يكمل دراسته لا يكملها محبةً في إكمال العلم بل لأنه لم يبق له طريقٌ سوى ذلك الطريق فهو يدخل الجامعة أو المعهد وهو يدرك أن لا جدوى من دراسته فجامعته غير معترفٍ بها فمنذ دخوله يعرف أن لا فائدة من عذابه سوى تحصيل بعض المعلومات فهو لا يستطيع أن ينفع أحداً من معلوماته لأنّ ما يأخذه غير معترف به وكأنه تحصيل حاصل وعلينا أن نحاول الحصول على اعتراف من الداعم والدول الداعمة فالاعتراف أهمّ من الدعم المادي بالنسبة للطلبة الجامعيين وإلا فعلينا أن نحاول النهوض بوعي الطلاب كأن نقنعهم بأنّ للثورة مؤسساتٍ يمكنهم الالتحاق بها متى يتخرجوا.
علينا أن نواجه هذه المشكلة التربوية التعليمية من خلال الفهم ومحاولة تغيير الواقع وما فرضه علينا وبذلك ربما نستطيع إنقاذ الأجيال من أنياب الواقع وآلامه وإلا فانتظروا مستقبلاً مدمراً كما الحاضر المؤلم.