بقلم : إسماعيل المطير ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الديكتاتورية المطلقة التي كان يُعامل بها النظام السوري شعبَ سورية، كانت أهم الأسباب التي أسست لانطلاق الثورة السورية بداية عام ٢٠١١م، سائرة على خطى الثورات العربية التي سبقتها، والتي أطاحت بأنظمة ديكتاتورية خلال العام ذاته. كان من المفروض أنْ تُناهض الثورة السورية كل أشكال الديكتاتورية التي أدت إلى الظلم والقهر والفساد في كل جوانب الحياة، ولكن الواضح أنَّ من تسلقوا على الثورة وركبوا موجتها قد أفسدوا كل أهدافها وغاياتها، وحولوها إلى مجرد وسيلة لبناء الأمجاد والمصالح الشخصية، على حساب الدم السوري الذي تعرض للإهانة الواضحة منهم وممَّن هم على شاكلتهم. لم يبتعدوا من حيث النتيجة عن السير على خطى الديكتاتوريات السابقة مطلقاً، فأصبحوا يتفننون ويبدعون في تطبيقها، بدءاً من أكبر مؤسسة محسوبة على الثورة، وصولاً إلى أصغرها، وربَّما لا تنجو من ذلك سوى بعض المؤسسات التي تعد على أصابع اليد الواحدة. ليس خفياً على أحد أنَّ المؤسسات التي أقصدها بالدرجة الأولى هي مؤسسات المعارضة الخارجية، التي اتخذت من تركيا مركزاً لها، وما برحت تستمتع بالتنظير السياسي والثقافي “الثوري” في الوقت الذي يتفق فيه الجميع على بُعدها عن ملامسة أوجاع الشعب السوري، بل وانفصالها عن الواقع تماماً. ففي حين ينظر البعض إلى الائتلاف مثلاً على أنَّه حالة صحية تطبق فيه أرقى الديموقراطيات في سبيل خدمة الشعب السوري ودعم ثورته، تتكشف الحقائق يوماً بعد يوم، فاضحة طريقة تصرفات الائتلاف إجمالاً من جهة، وطريقة تصرف التكتلات المهيمنة عليه من جهة أخرى، حيث تحولت تلك التكتلات السياسية والفكرية داخله إلى “عصابات” متناحرة إقصائية، تحاول كلٌ منها إزاحة الأخرى بأية طريقة كانت، بغية الاستئثار بالمكاسب التي يأتي بها التسول باسم الشعب السوري. تلك الصراعات أوقعت الائتلاف في حالة من الضياع والتفرقة، وانعكست سلباً على الثورة السورية، بل وجعلت منها أضحوكة أمام المجتمع الدولي. طريقة تصرُّفِ الائتلاف مع الحكومة المؤقتة مثلاً، تابعةٌ لأهواءٍ شخصية متعلقة بشخص رئيس الائتلاف وشخص رئيس الحكومة المؤقتة، فتبنى العلاقات على النفعية المحضة، سواء كانت سياسة أم اقتصادية أم فكرية، ولا مكان للشعب السوري في مساحات التفكير عند الطرفين. فلمجرد الاختلاف بينهما، يمنع الائتلاف الدعم عن الحكومة وربما يحجب عنها الثقة، وهذا ما حدث لحكومة “أحمد طعمة” خلال فترة رئاسة “هادي البحرة” للائتلاف. والحكومة المؤقتة ذاتها تتصرف بطريقة مماثلة تماماً تجاه مؤسسات الداخل السوري، فتمنع الدعم أو تمنحه بناء على علاقات شخصية وتبعيات، دون النظر إلى الصالح العام، وفي الوقت ذاته نجد أكثر مؤسسات الداخل لا تنجو من هيمنة “العصابات” على مفاصلها، فتسعى تلك “العصابات” دوماً إلى مواجهة أي تهديد لمصالحها وتسعى إلى إفشال كل منافس لها. إن تلك الممارسات الديكتاتورية العفنة هي أكبر خطر على الثورة، وهي أولاً وأخيراً تصب في مصلحة النظام الذي يتحين أدنى فرصة لضرب الثورة في مقتل. اختصر هؤلاء الثورة و “قولبوها” لتناسب مصالحهم، وجمعوا الثروات الطائلة على أكتاف الثوار، في حين مازال الشعب السوري يعاني الأمرين، … فإلى متى ذلك ؟!!