بقلم: جاد الحق
من كان يتوقع أنَّ حلب سترزح تحت حصار النظام؟
قلة قليلة من الناس الذين ينظرون ببصيرتهم لا ببصرهم، ومن كان ينظر ببصيرته إلى حال الثورة السورية من بدايتها إلى اليوم لا يستغرب ما وصلنا إليه.
لا نريد من هذا الكلام أن نجلد ذاتنا، أو أن نلطم على أوضاعنا، بل نريد أن نحلل بعض الأخطاء التي أوصلتنا إلى كارثة اليوم ألا وهي حصار حلب، علنا من أصل الداء نخرج الدواء.
حصار حلب أصبح الموسم المثالي لتراشق التهم والتخوين بدلا من تضافر الجهود لتخفيف معاناة الشعب المكلوم.
حصار حلب ليس مفاجئ، بل هو نتيجة تراخي كل الثوار والفصائل، ونتيجة معارك فاشلة لم يخطط فيها بشكل مناسب، لأنَّ الأمر لم يوسد لأهله، نتيجة للفساد والإفساد والظلم باسم الثورة والجيش الحر، نتيجة للتكفير والغلو والتنطع باسم الإسلام، نتيجة للتحجر والتخلف باسم الأصالة، والتخابر والتذلل للغرب باسم السياسة والديمقراطية.
ولتكتمل فصول الكارثة، تجد البعض من المحسوب على الجيش الحر، يلقي اللوم على جيش الفتح لأنه خذل حلب و أهلها حتى استحكم بهم الحصار، و أنَّ جيش الفتح لن يتدخل لفك الحصار حتى تترجاه الناس و تبكي بالشوارع طلبا لتدخله، و تقدم له ما شاء من تنازلات، و كأنَّ حصار حلب وليد اليوم و الليلة، و ليس جزءا من خطة طويلة أعدها النظام و عمل على نجاحها بصبر و ذكاء، وعملنا على إنجاحها معه بسذاجتنا و إهمالنا، و هل من العدل تحميل جيش الفتح مسؤولية الحصار و فصائل حلب بالعشرات، و أعدادها أكبر و تسليحها أفضل من جيش الفتح؟! أين كانت فصائل حلب في السنوات الأربع الماضية؟!، ماذا حققت غرفة فتح حلب من تأسيسها إلى الآن؟!
ويقابل ذلك من الطرف الآخر من يحمِّل الجيش الحر المسؤولية عن الحصار، لأنه عميل لغرف الدعم الغربية و لا يتحرك إلا بأمرها، و لأنه موالٍ للعلمانيين و الديمقراطيين، أو لأنَّ الجيش الحر مليء بالمفسدين و اللصوص و قطاع الطرق، ناسيا أنَّ الجيش الحر أول من حمل السلاح دفاعا عن الثورة مدفوعا بفطرته السليمة، و قدم و يقدم الغالي و النفيس على مختلف الجبهات، وأنَّ الجيش الحر استنزف حتى الإنهاك في قتال داعش و صد هجمات النظام التي لا تبقِ و لا تذر، و محاولة تحييد الأحزاب الكردية التي لم تترك الجيش الحر لحظة دون غدر.
إذا النقطة الأولى والأساسية التي يجب معالجتها كجزء من الحل، هي الدعايات السوداء التي يسوقها بعض المحسوبين على الطرفين ضد بعضهما، فإذا لم نتخلص من غربان الفتن، لا نستطيع التقدم شبرا واحدا على الأرض.
بعد وضع حد لأبواق الشر، يجب استغلال فك النصرة ارتباطها عن القاعدة، والذي كان يعد العائق الأول لأي اندماج حقيقي على الأرض يقلب الموازيين، ويجب أن يكون فك الارتباط على المستوى الفكري والسياسي لا على المستوى التنظيمي فقط، حتى تقطع حجة كل متصيد في الماء العكر، ولتحقيق الاعتصام الأمثل الذي أمره الله، وإذا لم يتحقق الاندماج الكامل بين الفصائل، فعلى الأقل غرفة عمليات عسكرية فاعلة تجمع الكل، ولا بد من فضح أي شخص يعرقل التوحد على رؤوس الأشهاد.
لا بد أيضا من توحيد القضاء، واتفاق الفصائل على سقف مشترك كميثاق الشرف الثوري.
إنَّ ما أوصلنا اليوم إلى هذا الحال، هو مخالفتنا للسنن الكونية التي توجب الانتصار، فالظلم و الفساد و المحسوبية و تأمير من لا يستحق و التنطع و الغلو و ترك المفسدين و عدم الإعداد المناسب أو الاكتراث للقاعدة الشعبية هي خطر بنفس درجة التبعية السياسية و العسكرية الخارجية.
والتبعية للقاعدة مضرة بنفس درجة التبعية لغرف الدعم الخارجي.
فكلا الطرفين خارج سورية، لم يعايش أهلها ومعاناتهم، ولا يمثل الشعب السوري وتطلعاته.
لذلك آن الأوان أن نتيقن أنَّ مخرجنا من محنتنا هو ما نبنيه بأيدينا، لا ما يرسمه لنا الغرب والشرق، ولسنا مضطرين لاستنساخ تجارب بعينها ومحاولة إنزالها كما هي على الساحة السورية دون مراعاة الاختلافات والظروف، آن لنا أن نبدأ نفكر ببراجماتية وديناميكية أكثر، وإلا فالباصات الخضر بانتظارنا، و ليحجز كل شخص مقعده من الآن.