علي سندة |
“إن كل فرد من الغوغاء يثير من الألم أكثر مما يثيره خمسة من الطغاة، لهذا كان علينا أن نعاني الألم من الطاغية على أن نعانيه من عدد لا حصر له من الطغاة الغوغاء.” قبل نسب الكلام إلى قائله والزمن الذي قيل فيه، لا بد من فهم التفضيل السابق بمعرفة الطاغية وصفاته، فالطاغية هو من يعد نفسه حاكمًا باسم الإله في الأرض، لا يُرِي الناس إلا ما يَرى، يعمل على تسليط عائلة ما في كل حي لتكون هراوة له على البقية، يحكم بالبسطار العسكري، يجعل رتب الجيش العالية خاصة به وبفئته ومن يلوذ به، يحكم البلاد بالطوارئ إلى مالا نهاية، يستهلك الميزانية في الجيش ويسرقها بداعي الممانعة والمقاومة، يقول للشعب عنده: النفط بأيدٍ أمينة فلا تسألوا عمَّا يسؤكم، يسقي تعاليم حزبه الأوحد للصغار في المدرسة حتى يشيبوا عليها، يصل مجلس التصفيق عنده من يملأ (القطرميز) أكثر ويؤمن بمبدأ كنا عايشين أكثر من غيره، يعتقل الأحرار ويقتلهم بالسجون، ينتهك أزلامه الأعراض، لا مشكلة عنده بتشريد نصف السوريين وقتل مليون شخص منهم، مستعد لبيع سورية على الملأ مقابل عدم سماع أي صوت من قِبل أي غوغائي، وأخيرًا عنده من السدنة من يقول لكل غوغائي ثائر عليه، كما قال مارتن لوثر صاحب الكلام السابق لمن يفكر بالثورة على الحكام في العصور الوسطى: “إياكم والخروج على الحاكم، بطشه عليكم أرحم من المجهول الذي تنشدونه، عانوا الألم ولا تخرجوا عليه لأنه عمل يغضب الرب .”
ولأننا لسنا في العصور الوسطى وتجاوزنا عصر التنوير إلى العصر الحديث، تكرم الحاكم بتكريس مفهوم (كنا عايشين) الخاصة بالسواد الأعظم من الشعب، وفكرته بسيطة جدًا تقوم على مبدأين، الأول الردع بالغير وهو خاص فيمن يفكر بالثورة لأنه عرف سابقًا مصير غيره ممن سبقوه وما حل بمدنهم وأهلهم لذلك لم يعد يتقبل فكرة الحرية التي ستنغص عليه معيشته التي فيها ما يغني عن الحرية برأيه.
والمبدأ الآخر خاص ببناء الدولة على كل أمر فاسد وقاعدته: “ارشِ تمشي” فالمؤمنون بقانون كنا عايشين يتناسب معهم أمر الفساد ولا يستطيعون العيش في دولة القانون فوق الجميع، لأن من تغذى على فكرة الدستور أكله الحمار لا يتقبل فكرة مساواة الجميع أمام القانون.
إن الحالة العامة التي يعيشها كل السوريين اليوم دعتني لإعادة طرح موضوع (كنا عايشين) رغم مرور 9 سنوات عليه، فمن هم ضمن مناطق النظام وذاقوا بطشه وعرفوا حقيقته وضحوا بأنفسهم وأبنائهم لأجل بقاء النظام ما يزالون يكذبون على أنفسهم بقبول مبدأ كنا عايشين ويصرون على أن الثوار هم غوغائيون كما وصفهم لوثر منذ عصور، وبالمقابل بتنا نرى من بعض من ضحوا بمالهم وأهلهم ومدنهم بوادر الحنين إلى مبدأ كنا عايشين؛ لاستبطائهم النصر وعودة النظام إلى أراضٍ جديدة فقد السيطرة عليها منذ تسع سنوات.
إن مجرد التفكير بذلك المبدأ اللعين أو استمرار العيش به صعب على الجميع، يقول لوثر مرة أخرى منتقصًا من عامة الشعب هذه المرة: “كما أن الحمار يريد أن يتلقى الضربات، كذلك الشعب يريد أن يكون محكومًا بواسطة القوة.” كأن قوله السابق يُعاش اليوم بمقولات عدة مثل: (الأسد أو نحرق البلد، كنا عايشين، اش بدنا بهالصرعة، يلي بتزوج أمي بقلو ياعمي، شغلة مالنا قدا، العين ما بتقاوم المخرز، اش استفدتوا غير تخريب البلد …) تلك هي الحقيقة المرة التي يعيش فيها كل من رضي بمبدأ كنا عايشين، هم كالحمير الذين يتوقون إلى الضرب، البسطار العسكري حاكمهم ورمزهم وموطن قُبلهم، هؤلاء لم يكونوا على مبدأ (كنا عايشين) زمن الأسد الأب والابن فحسب، إنهم على هذا المنوال منذ زمن سحيق يشبههم، زمن العصور الوسطى التي فيها الحاكم ظل الله في الأرض وهم العبيد.