زمرد أبو زيد
فرضت سنوات الحرب التي تعيشها سورية مفهوما جديدا للزواج مختلفا عمَّا كان متداولا قبل، كما كونت أرضية جديدة وأسسا يعتمد عليها في تحديد مقومات الزواج الناجح وصفات الحياة الزوجية السعيدة، ولعلَّ مشاكل الحرب الكثيرة وموجات النزوح المتكررة جعلت المجتمع بأكمله يعيد النظر في الموروثات القديمة والعادات الاجتماعية والطقوس المرتبطة بالزواج، وأزاحت الكثير من الحواجز التي تحول بين لقاء الشاب والفتاة في البيت الزوجي، فالشباب كانوا مثقلين بهموم الحياة والبحث عن لقمة العيش وتأمين المأوى، وبالفترة الدراسية الطويلة، وبما يسمى خدمة العلم التي تأكل من سني شبابهم، إضافة إلى نفقات التحضير للزواج، كل هذه العوائق نسفتها اﻷحداث الواقعية، فأصبح الزواج أيسر من أي وقت مضى، وشكلت مقومات خاصة بالمرحلة اتفق عليها الزوجان، من أجل تأسيس أسرة في هذا المجتمع الذي يقاوم اﻷحزان بكل ما أوتي من أمل وقوة.
ولكننا في المقابل نجد بعض حالات الفشل وحالات الطلاق بعد اﻷشهر اﻷولى من الزواج بسبب الخلل في تحديد مقومات الزواج أو فهمها، وبسبب النظرة البدائية إلى الحياة الزوجية التي تحصر العلاقة بين الطرفين بإشباع الرغبات الجنسية وتكثير النسل، وهذا اﻷمر يدعونا إلى وضع جملة من مقومات الحياة الزوجية التي تبنى عليها سعادة الزوجين وتضمن استمرار هذه العلاقة اﻹنسانية الحميمية، ومنها:
1. النضج العقلي والاجتماعي والانفعالي:
والمقصود بالنضج العقلي هو القدرة على المحاكمة الصحيحة وحل المشكلات الزوجية الطارئة بعيدا عن الموروثات الخاطئة والخرافات السائدة، وامتلاك قدر لا بأس به من المعرفة بأمور الحياة الزوجية واﻷسرية وتربية الأطفال.
والمقصود بالنضج الاجتماعي هو القدرة على إقامة علاقات اجتماعية مع المحيط الجديد، وحسن التعامل مع اﻷقرباء الجدد كالحماية على وجه الخصوص.
كما يجب على الزوجين أن يكونا قادرين على ضبط مواقفهما الانفعالية وتحقيق الاتزان والتحكم بالمشاعر المختلفة كالحزن والغضب والفرح، بحيث لا تسيطر عليهم وتتحكم بأقوالهم وأفعالهم.
2. النصج العاطفي:
لا بدَّ من توفر نضج العاطفة عند المقدمين على الزواج، لأنَّه يساعد الطرفين على تهذيب الكثير من جوانب شخصياتهم، فكلا الزوجين يسعيان إلى تبادل العواطف اﻹنسانية الراقية لتحقيق الاتصال الروحي بينهما المقدم على الاتصال الجسدي، فلذة اﻹشباع العاطفي تبقى في نفس الزوجين، وليست محكومة بأوقات معينة أو مناسبات محددة، بل تستمر باستمرار الحياة الزوجية، ولذلك فإنَّ فقدها من طرف واحد أو من كلا الطرفين يعني الدخول في الحياة الزوجية اﻵلية وإفراغ الزواج من معناها الحقيقي.
3. التقارب في البيئة الاجتماعية:
وهو عامل مهم من عوامل نجاح الحياة الزوجية، ﻷنَّ اختلاف البيئة لا يعني فقط اختلاف المكان، بل يعني أيضا الاختلاف في العادات والتقاليد والمواقف الحياتية وفي اللباس وطريقة المأكل والمشرب وفي تحديد المعايير اﻷخلاقية، وعدم وجود التقارب الاجتماعي قد يهدم البناء الزوجي واﻷسري إن أصرَّ أحد الطرفين على التمسك ببيئته الاجتماعية وما تحمله من عادات وتقاليد ومواقف بغض النظر عن صحتها أو خطئها. وقد قيل في المثل القديم معبرا عن تمسك اﻷجداد بهذا المقوم “اللي متلنا تاعوا لعندنا”
4. التقارب السيكولوجي:
لا يمكن للحياة الزوجية أن تكون سعيدة وناجحة إذا ظهر فيها الكثير الكثير من الاختلافات بين رغبات الزوجين واهتماماتهما، وهذا يعني أن حياة كل منهما ستكون بمعزل شريكه، فيعيش وحده بأفكاره واتجاهاته ويبقى مع شريكه بجسده فقط، ولذلك فإن التوافق إلى حد ولو كان قليلا في الاتجاهات والميول والرغبات من شأنه أن يحافظ على حياة زوجية هانئة.
5. التقارب العلمي والثقافي:
إنَّ المستوى العلمي والثقافي يعكس بشكل أو بآخر قدرة الفرد وطريقة تعامله مع أحداث الحياة ومستجداتها ومشاكلها، وتتغير نظرته إلى المجتمع المحيط به بشكل عام وإلى نفسه وشريكه بشكل خاص كلما ارتقى في التحصيل العلمي والتقدم الثقافي، وهذا يعني أنَّ اختلاف الزوجين في تحصيلهما العلمي ودرجة ثقافتيهما قد يؤدي في بعض اﻷخيان إلى الاختلاف في فهم الحياة الزوجية وإلى غياب التفاهم وظهور عدم الرضا عن الطرف اﻵخر مما يفسد الود في الحياة الزوجية.
…………………….
وخلاصة القول: إنَّ الزواج عبارة عن صلة قوية تربط بين الذكر واﻷنثى، وهو عقد شراكة متين، ومفهوم الشراكة واسع يتضمن الحياة اﻷسرية وتربية الأطفال واﻷعباء المنزلية والوفاء للطرف اﻵخر واحترامه ومساعدته إضافة إلى الشراكة العاطفية والانفعالية بتقاسم الحزن والفرح، إنَّها شراكة في كل تفاصيل الحياة، ولذلك يطلق كل من الزوجين على شريكه (النصف الثاني).
وننبه أخيرا على أنَّه لا يمكن فصل هذه المقومات عن بعضها، ﻷنَّها باجتماعها تتشكل عوامل النجاح، ويمكن ألا تكون جميعها مهمة لدى بعض اﻷزواج لما يصلون إلى درجة من الحب والتفاهم كبيرة، كما يمكن إضافة عوامل أخرى.