عبد الحميد حاج محمد |
“أخذوا مهجة قلبي” هذه الكلمات قالتها إحدى نساء (المعرة) قبل دفن ولدها الرضيع بدقائق، فعندما كانت العائلة عائدة من نزوحها إلى موطنها القديم لأخذ بعض الحاجيات من منزلهم وإلقاء نظرة الوداع كان الإجرام أسرع منهم، فخطف ابنها الرضيع وجعله تحت الأنقاض شهيداً.
هذه ليست رواية لفيلم (هوليودي) أو قصة خيالية وليست الوحيدة، بل العشرات من هذه القصص والأحداث تحدث هنا في ريف إدلب الجنوبي حيث لا أمان ولا سلامة بوجود أعتى طاغية في العصر الحديث.
تتواصل الصرخات في خضم الحمم التي تتساقط فوق رؤوس المدنيين، وعبر مواقع التواصل التي بتنا نكتشف أنها مواقع غير مجدية لإيصال صورة القتل والدمار منذ سنوات عدة، وذلك جراء الصمت والتخاذل عمَّا يحدث هنا، إذ إن تلك الصرخات لم تؤثر في معتنقي الإنسانية ومتبنيها شيئًا، لم تستدرج عاطفتهم أشلاء الأطفال ولا أرتال النازحين الذين خرجوا من أرضهم تحت ضربات أقوى ثاني دول العالم (روسيا)، كأن الجميع متفق على قتلنا!
أصبحت الحياة في قسم إدلب الجنوبي غير موجودة، مدنٌ بعد أن كانت تنبض بالحياة بأهلها أصبحت مأوى للقذائف والصواريخ شديدة الانفجار ومسرحًا، كغيرها من المدن التي سقطت سابقًا بيد المحتل الروسي والنظام المجرم، لتجريب الأسلحة وتطويرها على مباني السوريين وأرزاقهم وأجسادهم.
على الطريق الدولي تمرُّ بسراقب التي لم نعهدها في يوم من الأيام بهذا الشكل، تراها خالية من أهلها اليوم، لا محلات ولا أسواق ولا مارة ولا قاصدين لها، تكمل الطريق قاطعًا العشرات من القرى والبلدات التي كانت تزهر بالحياة وأهلها فتجد حالها لا يقل مرارة عن سراقب، شبكة الإنترنت لم تعد متوفرة فيها، تصل إلى ديار أبي العلاء معرة النعمان، فتجد الأسى مكتوبًا على كل منزل فيها، إلا أن تلك المدينة ستبقى عصية على الطغاة كما تعلمنا من التاريخ، سيندحر الأسى والقهر عنها وستتجاوز تلك النوازل لتعود أقوى ممَّا كانت عليه.
تفتقد الشوارع لأقدام أهلها ولأصوات باعتها، تقتصر اليوم على القليل من الشبان الذين يسترقون نظرات الوداع من يوم لآخر ذاكرين أناشيد الصمود والثبات.
كل تلك المدن تقع على طريق أصبح مكان جدل للعالم، تفرغت آلة القتل الروسية والأسدية لأجله بعد أن سقط العديد من المناطق المحررة.
رغم كل الحزن والأسى يبقى أهل المناطق هذه ثابتين صامدين، قدموا أرضهم على قضيتهم، فضلوا النزوح على أن يصالحوا قاتل أبنائهم وقامع الحريات.
لم تجد قضية السوريين تعاطف الدول، وفي المقابل يُفترض ألا نُغلب من كثرة، لكن إخوتنا العرب أهل الدم والعصبية والدين أبقونا وحيدين لبراثن الأسد وروسيا، أترى فقدنا الحمية والنخوة العربية؟! أم باتت أشياء قديمة وأصبح من الواجب تغير تلك القيم؟!
بشهادة الجميع وأقوال الكل، ستبقى قضية السوريين نصب عيون السوريين وحدهم لا تراجع عنها لأنها أصبحت حتمية، وكما يقول البعض: “ماذا هناك أكثر من الموت؟!” فالقضية إما ممات بكرامة أو حياة بغير ذل، لم يعد السوريون ينتظرون تعاطف الدول وتضامن الشعوب؛ لأن التعاطف والتضامن وراء الشاشات أثبت أنه لا يجدي نفعًا ولا ينصر قضية بعد دخولنا عامنا العاشر على التوالي ونحن نعيش القتل.