علاء شريف |
“هُجرت لأول مرة مع عائلتي في طفولتي من موطني الأول فلسطين على يد الاحتلال الإسرائيلي، واليوم أعيش تهجيري الثاني من أرضٍ عشت بها عقودًا من قبل النظام وميليشياته، ظننـت حينها أن الحيـاة قد توقفـت وأن كابوس رحلة التهجير والتشرد قد عاد من جديد ليسدل لونه الداكن أمام نافذة أحلامي وطموحاتي، وأن كل شيء قد انتهى لا محالة.”
بهــذه الكلمــات يصــف الرجل (حسين الكردي) حالته بعــد تهجيره ليستقر به الحال اليوم في الشمال السوري كعشرات الآلاف من السوريين، وذنبه الوحيد كذنبهم وهو عدم سكوته عن بطش نظام حوَّل وطنهم إلى مزرعة خاصة به يتحكم بها كيفما يشاء بدون رقيب ولا مسائل.
(حسين كردي) الملقب بأبي أحمد رجل فلسطيني الأصل، استقر به الحال بعد تهجيره الأول في مخيم اليرموك الدمشقي، لينشأ فيه ويكمل تعليمه ويدخل الجامعة ويتخرج من فرع العلوم السياسية في تسعينات القرن الماضي. يتحدث عن نفسه قائلاً: “اصطدمت بالواقع المرير بعد تخرجي بعدة أشهر، ولعل الأشد أثرًا في نفسي هو التصادم مع النظام ومحسوبياته وفساده، وعدم قبولي في وظيفة لا من قريب ولا من بعيد، بسبب عدم قدرتي على دفع رشاوى أو معرفتي بواسطات.” مضيفًا: “وبعد فقداني الأمل في التوظيف قررت أن أعمل بمهنة تربيه الطيور من نوع (السمان) لما فيها من فوائد طبية وطعم شهي، بالإضافة إلى تكلفة المشروع البسيطة والإنتاج الوفير، فبدأت فعلاً واستمريت في العمل بتلك المهنة ما يربو عن 15 عامًا، وقد جنيت من هذه المهنة دخلاً جيدًا.
أتت الثورة المباركة التي من خلالها رأيت متنفسًا لكلمات وردود أفعال كانت مكبوتة وأهمها هو خنوع للظلم والسكوت عليه. التحقت بركب الثورة وفقدت أطفالي الثلاثة وزوجتي أمينة وتركتهم! نعم تركتهم تحت طيات أسقف منزلي قبل رحلة التهجير، ليستقر بي الحال بعدها في بلدة خان العسل في ريف حلب الغربي، وهأنذا اليوم قد بدأت من جديد رغم جميع الصعوبات ولاسيما المادية في استعادة مهنتي، وبدأت بصناعة وابتكار مفاقس وحاضنات للبيض تضاهي بجودتها شبيهاتها العالمية، وبتكلفة لا تزيد عن ثلث المبلغ الكلي.
اعتمدت في صناعتي على أدوات شبه بدائية وبعض المواد المتوفرة من حولي من أخشاب وألواح زجاج وأسياخ معدنية، وما إلى ذلك، وفعلاً بعد مضي قرابة الشهرين في هذه التجربة بدأت أجني ثمار أتعابي في الإنتاج ولاسيما الجودة العالية في الكم والنوع. يختم الكردي بقوله: “بصراحة أنا رجل بلغت من العمر 58 سنة لا يوجد لدي رغبة بجمع المال الآن، هدفي الأساسي توسعة المشروع من خلال تبني أي مؤسسة داعمة ليصبح المشروع باب رزق لأكبر عدد ممكن من المهجرين المقيمين بمخيمات ريف حلب، خاصة أنني عشت فترة بمخيم دير البلوط بعفرين ورأيت الوضع الصعب للأهالي، لكن للأسف حتى الآن لا يوجد جهة أبدت اهتمامها بدعم المشروع، و عندي هدف آخر هو نشر لحوم وبيض الفري بالأسواق بأسعار مقبولة حتى يستفاد منها الناس لأنها مطلوبة طبياً، فهي تعالج عدة أمراض منها داء الربو التحسسي والعقم عند الرجال والنساء وفقر الدم ومرض السكري، ويدخل في صناعة كريمات التجميل وغيرها من العلاجات والاستخدامات . . .