د. وائل شيخ أمين |
ربما أكون من آخر جيل يستطيع أن يرى مساوئ مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أعتقد أن الجيل الذي تفتق وعيه في الدنيا ليرى هذه المواقع جزءًا منها لن يدرك بشكل جيد الفارق الكبير بين عصر مواقع التواصل الاجتماعي وما قبله.
وأعتقد أن بلادة المشاعر إحدى أهم تداعيات انتشار هذه المواقع، لم يعد هنالك شيء مبهر أو مؤثر عند الكثيرين بل كل شيء عادي.
سأمر على ثلاثة مواقف تبلدت فيها مشاعرنا:
1_ يذهب الناس عادة للسياحة من أجل أن ينبهروا بالجديد الذي يرونه من مناظر طبيعية وآثار وثقافات، ينفقون المال ويتكبدون عناء السفر حتى ينبهروا بما يرونه.
لكنهم قبل أن يفعلوا ذلك يبحثون عن هذه الأماكن السياحية، فيجدون من الصور ومقاطع الفيديو والتقارير ما لا يمكن أن يروه في رحلتهم السياحية العادية وتكون تلك الصور معالجة بطريقة تبدو أجمل من الواقع.
يصل السائح وجهته فيخسر الانبهار، تراه يقف أمام أروع المناظر ببلادة تامة.
2 _ الإنسان بطبيعته كائن عاطفي يتأثر بألم غيره وحزنه وشقائه، لكن هذه الطبيعة بدأت تضعف كثيراً، بسبب جرعات الألم والحزن والعذاب التي نراها في مواقع التواصل الاجتماعي، ليست أفلامًا سينمائية بل نحن نرى فعلاً الألم في أقسى صوره، تدريجياً بدأت الانفعالات تضعف فكثرة التماس تفقد الإحساس.
لم يعد الناس يتعاطفون مع بعضهم كما كانوا، لقد بدأنا نفقد إنسانيتنا.
3_ أما معايير الجودة التي يطلبها المتلقي الذي يريد أن يتعلم فقد أصبحت مختلفة أيضًا، فعلى المعلم أو المحاضر حتى ينتشر في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون
خفيف الدم، وربما تافهًا بعض الشيء فهذا يزيد الانتشار.
أن يكون عرضه سطحيًا لا عميقًا.
أن يمتلك أدوات الإبهار البصري.
أن يأتي بالغرائب.
بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذه المعايير إلا أنها معايير نادرة لا تتوفر عند أكثر المعلمين والمحاضرين المتميزين، مما جعل الناس لا يعجبون بأي طرح تعليمي في الحياة الواقعية؛ لأنها لا تحقق معاييرهم التي يحصلون عليها في مواقع التواصل.
مواقف أخرى كثيرة ذات شجون جعلت الناس يفقدون الانبهار، ومن فقد الانبهار خسر المتعة وقلت لديه الإنسانية.
علينا أن نكون أكثر وعيًا في التعامل مع هذا العالم، الذي يسميه البعض مخطئًا بالعالم الافتراضي.