لا تتوقف المجازر البشعة بحق السوريين في شمال سورية، وتُطالعنا كل يوم قصص جديدة للموت تجعل القهر جزءًا من تكويننا الجسماني وليس الشعوري فحسب.
رهام وروان، وقبلهما ماجد ومحمد وخالد وأسامة وعلي وإبراهيم وطفل آخر لم نعرف اسمه بعد، وصبايا ونساء ورجال وشباب وشيوخ وعائلات بالكامل تُقتل على مدار العمر الذي نعيشه، ولكل موت قصة تُكتب بدم أصحابها ونرويها بقهرنا الكبير، وبؤسنا الذي لا نستطيع فكاكاً منه، كأن كلَّ قدرنا أن نحكي قصص الموت وأن نذرف الدموع أو أن نكون قصصاً يحكيها من بقي على قيد ثأره وقصاصه.
مشهد آخر لاحتفال صاخب في ذات الوقت بإنجازات خرج للأسف من يمنّ بها على السوريين كان إلى جانب تلك الصورة المؤلمة.
لا أُخفي أنني كنت أحد أشد المنزعجين من تصرف منظومة وطن وقد كتبت مقالاً لاذعاً بحق تصرفها غير اللائق، لكن الاعتذار الذي سبق النشر جعلني أتراجع عنه وأكتفي ببعض كلمات عامة في هذا الإطار.
أكره المزاودة وأكره أن أُتّهم بها، فأنا أيضاً أجد وقتاً للضحك واللهو، لأمارس حياتي كنصف إنسان على الأقل، … لكن للفجيعة حرمتها، وللدم قداسته، وعارٌ علينا جميعاً أن نتجاوز تلك الحرمة والقداسة.
الاعتذار ثقافة الفضلاء، والعناد طبيعة الحمقى، والتبرير للخطأ الواضح عادة من الكبرياء والوضاعة، .. نحن قوم نحب الحياة، نرغب بها، تسحرنا ميادينها الجميلة وألحانها الرائعة، لا نمل من الابتسامة مهما عظمت الخطوب وتتالت المصائب؛ لأنها تعيننا على المضي في سبيل ما نحيا لأجله، نُؤمن أن ثلثي الحرية تكتنفها شفاه قادرة على أن تفتر عن ابتسامة في وجه عدوٍ وقيد وموت، لكننا أيضاً نحفظ لثأرنا حقه من الوجوه الكالحة، ولا نستسيغ الرقص على جثث قتلانا.
كل ما في الأمر توقيت خاطئ، وبعض أنفس متعجرفة رفضت الاعتذار في البداية، ودماء منسكبة لا تلتفت لما ورائها، وقهر كبير، ووجوه متكشفة، وسمسرة باسم الإنسانية عند بعضهم أيضاً، وشعب بسيط لا يرضى أن تُستباح كرامته.
المدير العام | أحمد وديع العبسي