غسان الجمعة |
بعد الزيارة المفاجئة للمبعوث الأمريكي (جيمس جيفري) لشرق الفرات وإعلانه عن رغبته بدعم الحوار الكردي -الكردي (قسد)، والأحزاب الكردية ضمن الائتلاف السوري، وإعطائه تطمينات لقيادات التنظيم بعدم وجود نية تركية لمهاجمة مناطقه، تحرك الروس في اتجاه يحمل في طياته تهديدًا علنيًا لقسد عبر شقين.
الأول: تمثل في تداول أخبار من عدة مصادر عن رغبة روسية بالانسحاب من شرق الفرات، وإبقاء بعض القوات في مطار القامشلي فقط.
والآخر: كان برسالة دبلوماسية غير مباشرة من (لافروف) وزير الخارجية الروسي عندما أعلن انتهاء المعارك بين النظام والمعارضة والاقتصار على بؤرتين (ساخنتين) هما إدلب وشرق الفرات، وذلك على غير عادته بالجمع بين المنطقتين بالمفهوم ودرجة السخونة، حيث لم تشهد منطقة شرق الفرات أي صدام عسكري حقيقي بين (قسد) والنظام، على عكس إدلب وأخواتها، كما أن السمة التي تصبغها موسكو على إدلب (منطقة إرهابية) لم تدرجها يومًا على (قسد)، فما الذي تغيير حتى تصعد روسيا ضد (قسد)؟
البداية من الدخول الروسي لشرق الفرات عبر مساومة (قسد) سياسيًا وعسكريًا على الضوء الأخضر للذراع التركية عندما نفذت عملية (نبع السلام) وأُجبرت وقتها (قسد) للرضوخ والإذعان للمطالب الروسية بالدخول لمناطق شرق الفرات مقابل تهدئة واحتواء العملية التركية، وهو ما عدَّه التنظيم ابتزازًا رخيصًا، لكنه مضطر عليه في ظل تعامٍ أمريكي عن العملية التركية وقتها.
وحتى الأمس القريب، قدمت (قسد) تنازلاً جديدًا لموسكو عبر عقدها اتفاقًا مع منصتها المعارضة برئاسة (قدري جميل)، اعترفت فيه بتفرد ما يسمى الجيش السوري بالقوة العسكرية على الساحة السورية الآن ومستقبلاً مع المطالبة بمغادرة كل القوات الأجنبية من سورية ذات الوجود غير الشرعي.
كل هذه القرابين السياسية نسفتها روسيا أمام الانحياز الواضح لقسد لمخططات (جيفري) في توحيد المعارضة وضمان عدم مهاجمة (قسد) وزيادة التعزيزات القتالية لها ولقوات التحالف الدولي، بل إن تماهي مليشيات (قسد) مع الدوريات الأمريكية ومضايقة الروسية جعل من الدوريات الروسية محطّ سخرية على الطرق الدولية شرق الفرات وحتى في القنوات الإعلامية، حيث باتت الدوريات تأخذ دور (جيري) المُلاحق دومًا من (توم) الأمريكي.
التهديد الروسي يعكس ضعف الحيلة أمام اللاعب الأمريكي وليس من مصلحة موسكو تنفيذه ولا حتى إثارة أي مشكلة مع (قسد)، وكل ما يمكن أن تفعله هو إفساح المجال أمام أنقرة فيما لو أرادت التحرك ضد (قسد) وهو ما لا يقف على رضاها فقط، لذلك فهو ليس مجديًا في تهديد (قسد).
ومن جهة أخرى باتت مناطق شرق الفرات المتنفس الفعلي للنظام السوري من حيث مصادر الطاقة والغذاء وغيرها في ظل موجة عقوبات مستمرة وضغوط داخلية متأزمة، وليس منطقيًا أن يفتعل معها النظام أو الروس أي قطيعة أو خلاف، حيث يعدُّ ذلك أشبه بالانتحار وفتح عدة جبهات في آنٍ واحد لا يمكن أن يترجم عسكريًا كما أراد ذلك (لافروف) دبلوماسيًا بالجمع بين المنطقتين.
خيارات موسكو مريرة في شرق الفرات، وصفاء السماء والأرض لها في سورية دون الوصول إلى حلّ في هذه المنطقة هو فراغ يعدُّ أمامه خفي حنين ثروةً بعد عناء سنوات وتحمل تكاليف إجرام إنسانية وسياسية دون فائدة.