علي سندة |
رغم أننا، نحن السوريين، مبتلون بالحرب منذ أكثر من تسع سنوات، وتكالب الأعداء علينا من الشرق والغرب، إلا أن ما لوحظ من وعي ونضج على وسائل التواصل الاجتماعي عقب تفجير (مرفأ بيروت)، يبشر بأن طريق الحرية المُعبد بدماء الشهداء صار منارة وبوصلة يستخدمها أحرار سورية لتحديد مواقفهم والتعبير عن مشاعرهم، وما تفجير (مرفأ بيروت) إلا محطة اختبار كبيرة وحساسة خاض غمارها الأحرار وأثبتوا فيها إنسانيتهم وسلميتهم وأخوّتهم رغم كل الجراح والآلام.
لقد كان العنوان الأبرز في موقف السوريين الأحرار “ولا تز وازرة وزر أخرى” نعم، لقد تعالى السوريون على جراحهم وآلامهم، وقالوا (سلامًا بيروت، الرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى)، لم يعمموا خباثة (حزب الله) اللبناني على كل اللبنانيين، لم يعمموا طائفية (باسيل) وعنصريَّته على كل اللبنانيين، لم يتشفوا بتفجير المرفأ لمعاناة طفل سوري اغتُصب في لبنان، أو لامرأة سورية وضعت وليدها أمام المشفى، أو لطفل سوري قُطِّعت أعضاؤه ورُمي في الحاوية، أو لطفلة ماتت تجمدًا في مخيمات عرسال، أو للوحة عنصرية كُتب عليها بالخط العريض فليخرج السوريون كي نعمل،.. إلخ، بل عرفوا أن قاتل السوريين منذ سنوات ومفجِّر مرفأ بيروت هو الشخص القاتل نفسه، عرفوا أن سورية تقصف منذ سنوات بكافة أنواع المتفجرات، وبيروت قصفت جملة واحد بما يقارب 3000 طن من نترات الأمونيوم المتفجرة، عرفوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الناس مجزيون بأعمالهم إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًا فشر”.
لقد أدرك السوريون الأحرار أن المتفجرات التي دمرت (مرفأ بيروت) وما حوله يوم الثلاثاء 4 أغسطس/آب، وجرحت آلاف المدنيين اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم، وحولت أكثر من 145 شخصًا إلى جثث، لم تفرق بين مذهب أو طائفة لبنانية، لذلك رفضوا حتى الشماتة حيال التفجير، وأسكتوا بعض الأصوات التي رأت فيه انتقامًا إلهيًا لما لحق بالسوريين من ظلم وقتل وقهر، وكأنهم في هذا الوعي يتمثلون قوله تعالى : “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}. فما اكتسبه مجرمو حزب الله اللبناني بحق السوريين لا يسري على اللبنانيين، والقائمة تطول والتعميم لا يجوز.
لا نملك مقياسًا يحدد عدد المواقف السورية حيال التفجير، لكن الغالبية تضامنوا مع إخوانهم اللبنانيين وردوا على من شمت ورأى في الموقف تشفيًا، وفندوا حجج الشامتين، وأثبتوا نضوج فكرهم رغم المآسي والآلام التي تعتصر قلوب الكثيرين، إذ إن العدد من السوريين تعرضوا للفقد والاعتقال، وذاقوا أنواع العذاب والعنصرية والتنمر والاستغلال، لكن رغم كل ذلك لم يقولوا هذه بتلك، ولم يخرجوا حقدهم على أعدائهم ويعمموه على الجميع، بل إن ذلك ليس من الدين ولا يمت إلى الأخلاق بشيء، لقد كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الشماتة، ويقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوَذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَدَرْكِ الشَّقَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ.” رواه البخاري.
من قُتل في تفجير بيروت هم إخواننا اللبنانيون وليسوا أعداءنا، لأن عدونا وعدوهم واحد، عدو الأمن والسلام والحرية، عدو الإنسانية أنَّى وُجِدت، ولو أن أحرار سورية في موقف يسمح لهم بإرسال المساعدات لما قصَّروا، لكن تمثَّلوا قول المتني:
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ… فليسعد النطق إن لم يسعد الحالُ
فسلامًا بيروت وسلامًا دمشق، فإن موعد الحرية لآت آت.