تترك منزلك بكل ما فيه من المتاع والذكريات، تلملم ما تستطيع حمله بيديك، طفلين أو أكثر، زوجتك التي أنهكها البكاء، صورة من بقية ما لديك من الوطن، مفتاحاً لأجل العودة، ونظرة إلى السماء تختطفها لكي تتأكد أن لا طائرة تترصد خروجك، تتوجه مسرعاً نحو باب الدار، تمشي على الطريق إلى جانب الآلاف ممَّن يملكون حكاية مشابهة، لاشيء على وجهك، لا دمعة وداع ولا حسرة على ضياع وطنك، الخوف فقط هو ما يبدو عليك، وبعض القهر الذي يملأ ما بين عينك وعينك.
في منتصف الطريق تنتبه أنَّه لا مأوى لا خيام حتى، لا أرض تحتويك، العراء فقط هو ما ينتظرك، حيث الجموع ذاهبة، تنظر حولك لتتأكد من مصيرك، تهمّ بالرجوع لولا أنَّهم يخبرونك أنَّ الموت لم يعد متاحاً، .. سقطت الأرض وهدم الدار وعليك أن تسرع حيث أنت حتى لا يسقط التراب تحت قدميك.
يحملك جرار فلاح يشبهك، وكأي ذاهل في محشر كهذا لن تسأله عن وجهته، تحدق في فراغ الجموع الهائمة، وتشتهي لو سبقك الموت إلى ما أنت مقدمُ عليه، … لا يفوتك أن تلعن الحرب والعسكر ونفسك التي بين جنبيك، ثم تضرب بكفك على صفحة وجهك وتحبس ما شاء الله من الخذلان أن يتساقط دماً من عيني أطفالك.
في حكاية كهذه توجَّه حوالي مئة ألف نازح من سبعين قرية سقطت، ولا تزال الحرب في بداياتها، أذكر أيضاً أنَّ حوالي خمسة ملايين قصة أخرى قد حُكيت في سبع سنوات مضت …
وما نزال بين نازح وقتيل ومعاق ومفقود
أي شيء يمكن أن نخسره؟!!!
المدير العام | أحمد وديع العبسي