شَغَلَتْ مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوعين الماضيين أكثر من قضية تخص السوريين، ولعلَّ أهمها كانت قضيتان متشابهتان في الشكل مختلفتان في المضمون.
الأولى: كانت في ولاية بورصة غرب تركيا، وهي عبارة عن فيديو لفتاة سورية تظهر فيه في مكان عام ويتجمهر حولها عدد من الشبان ليقترب منها شابان هما الآخران سوريان ويقومان بتقبيل قدمها، وهنا ينتهي المشهد، ممَّا أشعل وسائل التواصل الاجتماعي بين منتقد ومؤيد للقضية.
الثانية: عندما قام مجموعة من الشباب السوريين بنشر مقاطع على اليوتيوب لصديقٍ لهم وهو يحاول التحرش بفتيات تركيات في شوارع وساحات مدينة أضنة جنوب تركيا، الأمر الذي وقعت عليه أعين بعض الشباب الأتراك الذين استطاعوا بدورهم التوصل للشاب المتحرش، فقاموا بتصويره وهم يوبخونه بأقذع المفردات، ويكيلون له الكمات انتقاماً لما فعله، وبدورها أخذت هذه القضية حيزاً كبيراً من الاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن خلال متابعة التفاعل مع القضيتين المذكورتين، نجد التناقض الذي يعيشه مجتمع النزوح السوري اليوم؛ فبينما أثنت الغالبية العظمى على تصرف الفتاة وأيدتها في تحصيل حقها بهذه الطريقة نجد بالمقابل أغلب المعلقين على القضية الثانية ينتقدون تصرف الشباب الأتراك ويكيلون لهم الشتائم والكلمات النابية، على الرغم أننا في الحالتين أمام فعل ورد فعل، لكننا نراه مقبولاً عندما تكون القضية (سورية ــــ سورية) ومرفوضة رفضاً قاطعاً عندما تكون القضية (تركية ــــ سورية).
كل ذلك من الممكن أن يقودنا إلى تحليل منطقي مبني على محاكمة عقلية للآراء التي وردت في سياق القضيتين ألا وهو:
أنَّ الغالبية من السوريين الذين نزحوا إلى تركيا نزحوا إليها وهم لها كارهون، وأنَّ معظمهم نزح إليها وهو بغنىً عن ذلك؛ أي أنَّه كان بإمكانه أو ما زال أن يكون بمناطق النظام ويريح من هم فعلاً بحاجة للنزوح ويكفيهم سخافاته ومشاكله، وهؤلاء لا شغل لهم إلا استغلال مثل هذه القضايا لتضخيمها وشيطنة المجتمع التركي وتصوير الأتراك بأنهم يتمنون ذبح السوريين وهلاكهم وهي نظرية إن صحت فتكون بسبب هؤلاء أنفسهم.
لأنَّ النازح الحقيقي يحرص أشدَّ الحرص على أمن وأمان البلد الذي نزح إليه، وعلى بناء علاقات طيبة مع شعب ذلك البلد؛ لأنه باختصار ملاذه الأخير، وما يدلل على صحة ذلك أنَّ معظم من انتقدوا ما حدث هم ممَّن يعملون ويكدون لتحصيل لقمة عيشهم والعيش بهدوء وسلام.
ويمكن تلخيص سبب انتقادهم: بأنَّهم جاؤوا لتركيا ليهربوا من جحيم النظام المجرم وأهوال الحرب التي أتت على كل شيء، ولا يرون بأنه من المنطق أن تصدر هكذا تصرفات من سوريين إن كان بحق أنفسهم أو بحق الأتراك وهم قادمون من بلدٍ يعيش أهله الويلات ويموتون يومياً تحت الأنقاض.
مثل هذه المشاكل والقضايا التي بدأت في الفترة الأخيرة تتفاقم وتظهر آثارها السلبية على أوضاع السوريين في تركيا وأثرت بشكل كبير على معاملة الشعب التركي مع السوريين، تظهر الحاجة الملحة لمنظمات المجتمع المدني ” التي يفتقر إليها مجتمع النزوح السوري في تركيا ” ولحملات التوعية الأسرية والمجتمعية التي من الممكن أن تختصر الكثير الكثير من المشاكل وحالات الصدام بين النازحين والمجتمع التركي، كما يمكن لهذه المنظمات تشكيل لجان للسوريين في كلِّ مدينة تركية تعكف على التوعية وتعمل على عقد لقاءات دورية بين السوريين والأتراك من شأنها ردم الهوة بين الثقافتين والمجتمعين وزيادة التقارب بين الشعبين، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود قواسم مشتركة فيما بينهم يمكن البناء عليها، إن كان من ناحية الدين أو العادات والتقاليد أو حتى اللغة “حيث تشترك اللغتين العربية والتركية بمئات المفردات ” وكذلك العامل الجغرافي، فما يجمعنا بالأتراك أكثر بكثير ويكاد لا يقارن بما يفرقنا.