جاد الغيث |
“هل للشوق وزن؟ لا أعرف، لكن قلبي يصبح بثقل الجبال كلما اشتقت إليك …
أفكر بهذا وأنا في منتصف مدينة تحترق، فالحروب لا تُحدِث دمارها من حولنا فقط بل تطال كل ما فينا، نحن أيضًا نصبح منكوبين أكثر من المدن المدمرة نفسها.”
بهذه العبارة التي تربط بين الحب والحرب يستهل الكاتب (أدهم شرقاوي) أو كما يُسمي نفسه (قس بن ساعدة)، الفصل الثالث من روايته (نبض) التي اختار لها أربعة فصول، ولكل فصل طبول تقرع من أجله .
في الفصل الأول (طبول الحرب تقرع) تمهيد لقصة الحب العذري الذي وُلد في أحضان الجامعة وشهد المقهى فيها كل أحاديثه التي كانت لا تصل درجة التصريح المعلن، كل أحاديث الحب في هذا الفصل كانت تتوارى بين المعاني وتكشفها فقط نظرات العيون، ويبدو أن الكاتب كان يشعر بخطر الحرب التي بدأت طبولها تقرع فلم يشأ أن يصرح بمشاعر حب ربما تموت قبل أن تولد.
الفصل الثاني (طبول الذاكرة تقرع) تأخذ الحرب الكاتب بعيدًا عن محبوبته، ليغدو تداعي الذكريات بينهما رابطًا حقيقيًا يعيد للحب الذي تم الاعتراف به في رسالة مكتوبة سلمها الحبيب للمحبوبة بجوار شجرة وارفة الظلال لتكون شاهدًا على حب لن تُكتَب له خاتمة سعيدة كما في الكثير من الروايات، فالبطلة (نبض) تموت تحت أنقاض بيتها.
الفصل الثالث (طبول القلب تقرع) ويتفرد هذا الفصل في وصف أوجاع القلب لدى الحبيبين، خاصة عندما تنقطع الرسائل بينهما ويشتد التعلق والتفكير بالمحبوب وتتردد في دهاليز الذاكرة صدى الكلمات التي نقلت المشاعر الأولى من الولادة الثانية لكل منهما وهي الحب.
وفي الفصل الرابع والأخير (طبول الفقد تقرع) يعود بطل الرواية إلى قريته ليروي لنا تفاصيل الفقد كما وردت في الصفحة الأخيرة من الرواية: “وصلت إلى بيتك فإذا هو كومة حجارة، وقفت مصدومًا إلى أن جاءت ابنة جاركم ذات العشر سنوات وقالت لي: ماتت نبض، كلهم ماتوا، وانفجرت باكية، لم تستطع قدماي أن تحملاني، وقعت على الأرض كأن رصاصة أصابتني، لطالما كنت أرى الرجال يقعون هذه الوقعة، وقد حان الآن دوري” .
يبدو ترتيب الفصول الأربعة للراوية لافتًا للانتباه (الحرب – الذاكرة – القلب – الفقد)، فالحرب الموجعة تقرع باب الذاكرة المليئة بالصور والأشخاص والأماكن، والذاكرة بدورها تقرع باب القلب مستثيرة العواطف والانفعالات، وحين يطرق باب الفقد تظهر النتائج المروعة للحرب التي تضعنا أمام إحصاء دقيق لكل ما فقدناه من ممتلكات وأشخاص وذكريات.
ما يميز رواية نبض، إضافة إلى سردها الممتع المليء بالتفاصيل الحسية، أنها غنية أيضًا بالبعد الثقافي والفلسفي، وهذا ما يزيدها متعة لدرجة أنك لا تستطيع التوقف عن القراءة، فالقارئ يتنقل بين صفحات الرواية من تفاصيل الحب العذري بين البطلين إلى قصص تاريخية موثقة، وما بين الخاص والعام يتم ربط التاريخ بالواقع الافتراضي للرواية، فالرسائل المتبادلة بين البطلين تعرج على ذكر حب النبي الكريم للسيدة خديجة ووفائه لها بعد موتها , كما نتعرف على العلاقة التكاملية التي كانت تربط الصحابة الكرام بعضهم ببعض، وفي الصفحة (69) من الرواية سرد جاء في مكانه لقصة إسلام عمر بن الخطاب، وتنتهي الصفحة بآيات قرآنية من سورة طه.
وبين صفحات رواية نبض، ينبض تاريخ الحب وتسير الدماء مجددًا في قصص الحب الخالدة التي لم يُكتَب لها أن تكلل بالزواج، حيث يروي لنا الكاتب أشعارًا رائعة لمجنون ليلى، وكُثيّر عزة، وليلى الأخيلية، وغيرهم …!!