غسان الجمعة |
تستمر عمليات نبع السلام على الحدود السورية التركية بالتوازي مع انقسام المجتمع الدولي بين مؤيد للعملية وآخر معارض لها وسط إصرار الجيش الوطني السوري وأنقرة على إتمام مرحلتها الأولى مهما كلف الأمر، لاسيما بعد تمكن أنقرة من الحصول على نقضي فيتو من أعضاء مجلس الأمن لتمرير قرار يدين العملية، حيث استخدمت كل من روسيا والولايات المتحدة حق النقض الفيتو لمنع إصدار القرار في سابقة قل ما يشهدها المجلس بين قطبي الصراع العالميين.
قسد التي انتهت مهمتها الوظيفية لدى الولايات المتحدة قدمها ترامب هدية لتركيا التي تربطها علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة وكل ما يصدر عنها من تصريحات قلق وخوف وتهديد هي لذرء الرماد في العيون العمياء لمليشيا طعنت الشعب السوري بالظهر تماماً كداعش، لكن بأسلوب وأجندة مختلفة.
المعطيات التي قدمتها نبع السلام على الساحة السورية كسرت الجمود الذي فرضته مرتزقة قسد على السوريين بأفكار متطرفة انفصالية، حيث بدأت بتحرير عدد لا يستهان به من السوريين الرازحين تحت نير عنصريتها واستبدادها، بالإضافة إلى توفير منطقة آمنة لآلاف النازحين السوريين مع إمكانية استقبال اللاجئين الراغبين بالعودة للمناطق المزمع تحريرها وتخفيف عبء اللاجئين السوريين من على كاهل الدولة التركية.
وبالنسبة إلى المخاوف الأمريكية بخصوص داعش فقد باتت في العهدة التركية كما أعلن ترامب الذي يود الانسحاب من شرق الفرات وتوفير كلفة الحرب على الخزينة الأمريكية، حيث وصفها بحرب (لا طائل منها) وهو إشعار أمريكي للإدارة التركية بالإمساك بالملف السوري عوضاً عن الدور الأمريكي الذي يريد إكمال لعبته السورية سياسياً مع الحفاظ على عدد ضئيل من القوات الأمريكية في المنطقة.
في شرق الفرات لا يوجد صدام في الخطوط الرئيسة بين اللاعبين الكبار سوى الميليشيات الإرهابية والنفوذ الإيراني الذي من الممكن أن تضمن روسيا تحجيمه في نهاية الأمر في تسوية إقليمية أوسع من تلك التي تهيئها بين الأسد والميليشيات الإرهابية.
فتركيا حليف المعارضة السورية على الأرض في الحقيقة ليست بوارد الصدام والتوسع مع مناطق تتطلع روسيا لمد نفوذها إليها بعكس ما تعمل عليه سياسياً، حيث تواجه أنقرة موسكو لتوفير حل سياسي حقيقي وإيجاد البيئة الآمنة نحو تغيير يرتضيه السوريون جميعهم، وهو ما يحصل من خلال تشكيل اللجنة الدستورية وتفعيل مسار آستانة.
كما أن روسيا لا تريد الصدام المباشر مع أنقرة لذلك تسعى موسكو للاستفادة من العملية العسكرية لقوات الجيش الوطني والجيش التركي عبر الاستثمار السياسي شرق الفرات، وهو سقف الأحلام لتلك الميليشيات في ظل هذه الظروف، حيث تُوهم روسيا ميليشيا قسد بإمكانية توسطها لدى النظام السوري لإيجاد مكان ما لها في أحضان الأسد وفقاً لمعايير تُرضي أنقرة وتعجب موسكو.
أما بالنسبة إلى المعارضة السورية فهي المستفيد الأكبر من تنفيذها لعملية نبع السلام، حيث إنها تنتشل من جسدها المنهك خنجراً حُسب عليها سياسياً في الساحة الدولية بل إن الأحزاب الانفصالية باتت تتنظر إلى المعارضة السورية ككل تلك النظرة التي تعاملت بها مع تنظيم داعش واستأثرت هذه الميليشيات بالموارد الاقتصادية للدولة السورية وحرمت منها الشعب السوري لسنوات، بل تآمرت كثيراً ضد السوريين مع أجهزة المخابرات التابعة للأسد وللآن لا تزال تمده بالنفط عبر قنوات غير شرعية.
إن توسع المعارضة جغرافياً وديمغرافياً على الساحة السورية يزيدها قوة في الملف السياسي ويثبت جدارتها في إقامة دولة مدنية تعيش فيها كل الطوائف بحرية وعدالة تمهد فيها لنهاية حقبة عقيمة من الطائفية والعنصرية في تاريخ سورية.