بقلم : رئيس التحرير ما بينَ طرفةِ عينٍ وانتباهتها يغيّرُ الله من حالٍ إلى حالِبهذه السرعة التي تشبه سرعة الشهب وهي تركض نحو هدفها تتغير الأحوال وتتبدل الأيام وتختلف الصور ، وتمضي الحياة تاركةً خلفها كل شيء عن الماضي كأنّها مخلوقٌ بلا ذاكرة ، إنها تريد الوصول إلى المستقبل ، تلك الكلمة التي لم يلتقِ بها أحدٌ إلى الآن .والحياة بهذه الصورة كعمر الإنسان ، تجدُّ السير ولا تكل ولا تتعب ، ولا تقف لحظة لتأخذَ قسطًا من الراحة وتشرب فنجان قهوتها بهدوء ، بل على العكس تماما ، فكلما التهمت طريقًا شعرت بالجوع ، وأحست بالشوق إلى اقتحام طريق جديد وخوض مغامرة جديدة .تعلمون أنّه ليس في الحياة ما يدوم ويستقر على حال واحدة ، فهي ترفض الجمود وتكره الدخول في إطار الرتابة ودائرتها الجليدية ، ولا تحبّ الأنماط التوأمية المتشابهة الدائمة ، وتحب أن تخوض المغامرات الصعبة وأن تبحث عن الجديد دائمًا ، ولذلك ترونها تبدّل ثوبها كلّ يوم ، وتحرص على أن تكون تسريحة شعرها اليوم مختلفةً عن تسريحة البارحة وأول البارحة ، ونحن البشر متجددون كالحياة ، كلّ ثانيةٍ نعيشها تختلف عن تلك التي ودّعناها منذ قليل ، تختلف عن التي ننتظرها وسنستقبلها بعد هنيهة ، هذه سنة الله في الكون ، حكم على الإنسان أن يتغير ، وحكم على الأيام أنها دولهيَ الأُمـورُ كَما شاهَدتها دُوَلٌ مَـن سَـرّهُ زَمـن سـاءَتهُ أَزمانُوقانون التبدل ليس محصورًا في الجماعات وحسب ، بل يشمل الأفراد أيضًا ، فكم رجلٍ أمسى معافى أصبح مريضًا مهمومًا ! وكم دولةٍ قويت وعزّت حتى رفعت رايتها فوق كلّ أرض ، ولمع اسمها فوق كل شفة استيقظت عجوزًا بلا أسنان لا تقوى على رفع يدها وسحب رجلها وتحريك شفتيها ! وكم دولةٍ ضعفت وذلت حتى وطئتها الأقدام ونسيتها الأيام حتى استيقظت والشباب يتفجر في وجهها والعنفوان يسيل من أردانها ، فبدأت تحصد الأرض حصدًا !هكذا تمضي السِّنون وتنقلب الأيام ، وبين ليلها ونهارها موت وحياة ، نور وظلام ، حزن وفرح ، فقرٌ وغنى ، جوع وشبع ، تعب وراحة ، صحة ومرض ، عزّ وذلّ ، نصر وهزيمة ، حبّ وكره ، يسر وعسر ، والفطن من استطاع أن يأخذ بعِنان السنين ليوجهها الوجهة التي يريدها ، نعم ، إنّ الإنسان ليستطيع أن يختار مستقبله بيديه ، وليست هذه نكتة ثقيلة الدم ، ولست هنا منجمًا أو مشعوذًا ، والعياذ بالله ، ولا أحمل كرةً زجاجيّةً سحريّةً مسروقةً من الحكايات الخرافية القديمة ، ولكنّي أقرأ في قوله تعالى : ” إنَّ اللهَ لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتّى يغيِّرُوا ما بأنفسِهِم ” الرعدفمن سنة الله في الكون أنّ أحوال الناس تتغير تبعًا لتغير نفوسهم وصدق نياتهم وارتقاء أعمالهم ، ومفتاح ذلك كما ترون بأيديهم وحدهم ، فثمَّ رابطٌ بين ما يقدمونه في حاضرهم وبين ما ينتظرونه من مستقبلهم ويتمنونه ، والذين يعملون الخير هم أهلٌ للتغير نحو الأفضل .