يوسف تركي |
لا يقوم مجتمع على أرضيَّة التمدُّن أو يبدأُ رحلته مع التنمية ما لم يكن أبناؤه متكاتفون فيما بينهم، يعتني بعضهم ببعض، ويئنُّ بعضهم لأوجاع بعض.
هذه الحالة من الإحساس المتبادل بالغير هي تجلٍّ ثمين من تجليات الإنسانية، ووسام مشرِّف على صدر العيش الآدمي، لا يتأتى للإنسان أن يرغب عن شرفه، أو يتهرَّب من المسؤولية المتعلقة به.
الإسلام الكريم أنبت المحبَّة في قلوب أبنائه، وأدَّبهم على العطاء والتكاتف فيما بينهم، فجعل ثروة الغني غير مشروعة إذا كان يعرف في محيطه المجتمعي فقيراً ولا يساعده
(ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه) حديث نبوي
(ومن كان معه فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له) حديث نبوي
فالإسلام بذلك رسم في ذهن أبنائه قانوناً مهماً يتمثل في التفكير الإيجابي للآخرين، وصَهَرَ ذوات الأفراد في ذات المجتمع عبر بوتقة التعاطف والتعاون الجماعي، وعلمهم أن الإحساس بالغير هو إيمان.
(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) حديث نبوي
عندما ُتزْرَع هذه الالتزامات النبيلة داخل الإنسان وتُروَّى من خلال القدوات العالية فإن كفاءة الإنسان الاجتماعيَّة سترتفع، وسيصبح أكثر فاعليَّة وعطاءً للغير في حياته.
التكاتف الاجتماعي والاحساس بالغير لا يقتصر على المادة، وإنما يشمل جميع مذاهب الحياة حتَّى أن معلم المسلمين صلى الله تعالى عليه وسلم جعل من ابتسامة الإنسان في وجه الآخر شيء ثمين يؤجر عليه، وكأنه أراد بقوله ذلك أن يلفت ذهن المسلم إلى الاعتناء بأدق التفاصيل في حياته مع الآخر.
نحتاج في التعامل مع مشاكلنا الاجتماعيَّة إلى تلك المسحة النورانيَّة التي مسح بها النبي الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم عقولنا، نحتاج إلى أن نثبت وجودنا في المجتمع الذي نعيش فيه كأصحاب دور إيجابي فاعل.
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) آية كريمة
العالم سيصبح أجمل حينما نتخلص من الأنانية ونبدأ بالتفكير فيمن حولنا، حينما نعطي من نجاحاتنا للآخرين ونزكِّي أحلامهم الحياتيَّة بدفء عطائنا؛ عندئذٍ نستطيع أن نفتخر بالإنسانيَّة التي تجمعنا وأن نتمتع بالسلام الذي هو غايتنا.