التاريخ لغة: هو الإعلام بالوقت، أمَّا اصطلاحًا: فهو تسجيل ووصف وتحليل للأحداث التي جرت في الماضي على أسس علمية محايدة للوصول إلى حقائق وقواعد تساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل.ليس بإنسانٍ ولا عاقلٍ من لا يعي التاريخَ في صدرِهِومن درى أخبارَ من قبلَه أضافَ أعمارًا إلى عمرِهِوقد قال ابن خلدون: إنَّ التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق.والمعرف عمليًّا في مدارسنا أنَّ التاريخ عبارة عن هجرات من جزيرة العرب وحضارات أفنت بعضها بالصراعات والغزو، ثم ننتقل إلى الأعم والأكبر في مناهجنا، وهو تاريخ العصور الوسطى الذي يصور لنا في الغالب صراعات الفئات وظهور المذهبيات وقتال الأمراء على الحكم، والمرور الخجول اليسير على الحضارة الإسلامية وربط كل ما فيها من محاسن لخدمة الأنظمة والفكر السياسي الحاكم بشكل مباشر أو غير مباشر في شتى أمصار الأمة الإسلامية، أمَّا تاريخنا الخبيث أو كما يسمونه بالحديث فقد لمَّعوا به انحطاطهم وفسادهم فأخفوا بين ثنايا كتبنا مجازرهم ولوَّنوا أحرف مناهجنا ببياض نقلاتهم وزهوة انتصاراتهم الكاذبة حتى إننا كنَّا نحمد الله على وجودهم وتخليصهم لنا بعد كل حصة أو قصة.كما أنَّ الطريقة التي تلقينا فيها هذا التاريخ لا تتعدى أن نكون مستمعين لحكايات من قصص الأساتذة، والتعمد لإبهام الحقائق وتشويه الشخصيات التاريخية والوقائع من خلال الحذف أو التزوير أو قلب الحقيقة رأسا على عقب إن اضطروا إلى ذلك، لتكون النتائج من هذا السرد فرض آرائهم وأهدافهم الظلامية والتطلعات التي أوهمونا بها.لقد أمرنا الله تعالى بأن نتدبَّر قصص القرآن ونفهمها ونأخذ العبر منها لنتفادى ما وقعت به الحضارات المنصرمة، والتي كانت سببًا لهلاكها وذلك على مختلف الأصعدة.ولذلك علينا أن نستقي تاريخنا بمبادئه وأسسه من القرآن الكريم، ففي دراسة التاريخ منه عظيم الثمرات، منها المؤثر في أمم أسلافنا وما زال له أثره كأن تتحمل الأمم مسؤوليةَ هلاكها بظلمها وفسادها اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ومنها استحقاق المؤمنين النصرَ، والإخبار عن أزلية الصراع بين الحق والباطل.ومعرفة تاريخ النبيين والمرسلين وما كابدوه من شرِّ الأذى، وما لقوه من حلاوة المثوبة والختام، وهناك العشرات من القصص والأخبار التي ُطولبنا بتدبرها وتحليلها ومعرفة أسبابها ومآلاتها، فالتاريخ بالقرآن ليس سردًا أو تصويرًا فقط، وإنَّما هو عبرة لعقل يستخلص الخير لنفسه ولمن حوله.إنَّ تأسيس الجيل بهذه القاعدة التاريخية لا يروق لكثير من الأنظمة الديكتاتورية وأبواقها (التعليكية) والتعليمية، لأنَّ الشباب المُؤسس بتاريخ القرآن لا يقبل أن يتلقى هذا التلقي لتاريخ أمَّته.وفي النهاية فقد قيل: إنَّ الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته، ولذلك علينا أن نتدبر حقائق التاريخ وحيثياته كي لا ندور بدائرة الجهل التي أراد الله إخراجنا منها.