نورس العبد الله
تعرفنا فيما مضى على قواعد الحرب في الشريعة الإسلامية، ومضينا في رحاب فلسفتها القيمية، وخلصنا إلى مجموعة القيم المشروعة للمبررات الملحة والضرورية لحالة الحرب الشرعية من أسبابها وخلال نشوبها وعند نهايتها ونتائجها.
ولنمضي الآن مع التشريعات البشرية في هذا المضمار لنعرف متى وكيف نشأت قواعد الحرب في القانون الدولي؟ وما هي مصادر هذه القوانين وما هي موضوعاتها؟
حقيقة لقد تأخرت دول العالم كثيراً جداً في عقد اتفاقيات أو معاهدات تضع أساساً لما بات يعرف بالقانون الدولي الإنساني، وجاء ذلك أخيراً بعد أن اكتوت البشرية وعانت الإنسانية ما عانت من ويلات وفظائع.
يعود أصل القانون الدولي الإنساني إلى منتصف القرن التاسع عشر، ففي أثناء معركة تعرف بمعركة سلفرينو عام (1859) التي كانت رحاها تدور بين جيش نابليون الثالث الفرنسي والجيش النمساوي، تألم السويسري (هنري دوناند) من فظاعة الحرب، وقررَ أن يقوم بنقل الجرحى والقتلى من جبهات القتال ودون أن يميز بين أحد من المتحاربين إلى البلدة، وبعد ذلك قام الرجل في عام 1862 بنشر كتاب بعنوان ذكريات من سلفرينو” ضمَّنهُ دعوة إلى التخفيف من معاناة الجنود في الحروب، واقترح أنْ تسمح الدول لمنظمات إنسانية محايدة بعلاج الجنود خلال الحروب.
من هنا كانت الصرخة الأولى في العالم الغربي للتخفيف من فظاعات الحرب ووضع قواعد لها، إذ لاقت هذه الدعوة استجابة من الدول الأوربية التي اتفقت في عام 1863 على إنشاء لجنة دولية لإنقاذ وعلاج المصابين خلال النزاعات، وتحولت هذه اللجنة وتطورت لاحقاً إلى الجنة الدولية للصليب الأحمر.
فكان بذلك التمهيد لنشأت القانون الدولي الإنساني الذي تتعدد تعريفاته، ومن أشهرها تعريف اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تقول بأنَّه: مجموعة القواعد الدولية الموضوعة بمقتضى معاهدات أو أعراف، والمخصصة بالتحديد لحلِّ المشاكل ذات الصفة الإنسانية الناجمة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، والتي تحد ــ لاعتبارات إنسانية ــ من حقِّ أطراف النزاع في اللجوء إلى ما يختارونه من أساليب أو وسائل للقتال، وتحمي الأشخاص والممتلكات.
ويمكن تعريفه بأنَّه مجموعة من القواعد القانونية التي تحمي في زمن الحرب ضحايا النزاعات المسلحة، وتقيد استخدام أساليب ووسائل القتال.
يتكون القانون الدولي الإنساني من مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي لم تعقد مرة واحدة ولا في فترة زمنية قصيرة وأهم تلك الصكوك:
- إعلان سان بطرسبورغ لعام 1868 لحظر القذائف المتفجرة.
- إعلان لاهاي لعام 1899 حول الغازات الخانقة واتفاقيات لاهاي الأخرى.
- اتفاقيات لاهاي لعام 1907.
- اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949، بشأن تحسين حالة الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان.
- اتفاقية جنيف الثانية لعام 1949 بشأن تحسين حالة الجرحى والمرضى والغرقى من أفراد القوات المسلحة في البحار.
- اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 بشأن أسرى الحرب.
- اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب.
- اتفاقية قمع جريمة إبادة الجنس، ١٩٤٨،١٢.
- الاتفاقية الأوروبية حول عدم سقوط الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بالتقادم، 1976.
- البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية.
- البروتوكول الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.
- اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 بشأن حظر أو تقييد بعض الأسلحة التقليدية.
- الاتفاقية الدولية ضد تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد، ١٩٨٩،١٢،٤
- نظام روما الأساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية 1998
والأشخاص المحميون بموجب هذه النصوص هم الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان، والغرقى والجرحى والمرضى من القوات المسلحة في البحار، وأسرى الحرب، والمدنيون.
وبالإضافة إلى المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات المكتوبة، هنالك مجموعة أخرى من القواعد العرفية أي غير المكتوبة، وهي مجموعة ممارسات عامة مقبولة كقانون، والتي تشكل القانون الإنساني الدولي العرفي، والتي تسدُّ الثغرات التي لم تغطيها وتشملها المعاهدات والاتفاقيات، بالتالي تعزز من حماية ضحايا النزاعات المسلحة.
ماهي المبادئ الأساسية والأهداف والغايات للقانون الدولي الإنساني؟ وما هو واقع وتطبيق والتزام الدول بهذا القانون؟ هذا هو موضوعنا القادم إن شاء الله.
يتبع..