بقلم جودي الحلبيفي شوارع ما تخيلت نفسي يوماً ما سأمشي عليها، لا وجوه الناس أعرفها ولا ملامحهم آلفها،هنا كل شيء مختلف تمامًا عمّا أحبه. أسماء الشوارع والمناطق، أسماء الأشخاص وعيونهم لا تشبه تلك التي اعتدت النظر إليها وقراءة ما في قلوبهم من خلالها.هنا لغةٌ ما استخدمت لفظا من الفاظها طوال حياتي، وفجأة صرت مجبرة على تعلمها،هنا تاريخٌ لا تربطني به أية صلة، وجغرافيا لم أقرأ عنها يومًا..هنا لا شيء لي.. لا الهوية ولا الانتماء ولا الحب ولا الأرض ولا الهواء.. فلمَ أنا هنا ؟في رحلة بحثي عن المكان الاكثر أمانًا.. في دوامة الحدود والطرقات والموت الأقرب لي من فرصة الحياة.. لا أكثر أمانا في فوضى المسافات من وطنٍ حملته خفية في حقيبة هجرتي المتعبة والمثقلة بذكريات لا حصر لهاذكرياتٌ لم تزدني إلا ألمًا رغم كل المحاولات الفاشلة بالتجاهل والتناسي.. وهل تنسى القلوب دقاتها؟كنت أعتقد أن الشوق إلى حلب سينتظر عاما ليشتعل.. أو ربما شهرًا..لكنه راح يفتك بي منذ أن لمعت في رأسي فكرة الهجرة عنها.. وكأن دموع العالم أجمع انسكبت في عينيَّ دفعةً واحدة .أنا على ثقة أن منفاي الجديد لا يشبه الوطن الذي سأهجره .. ولكن هل من بديل؟البدائل المتاحة والظروف المناسبة والمبررات الجاهزة..لا شيء من تلك تمنحني كرامة دُفِعَ ثمنها مسبقا ومازال هناك مزيد من الثمن سيتم دفعه لاحقاإن كنتُ قد هاجرت في سبيل العيش بأمان دون كرامة فما نفع الحياة بلا كرامة؟ وهل ينفغ بعد قتل الضحية تعذيبها؟نعم قررت الهجرة..قررت الهجرة إليك يا حلب .. فبعيدًا عنكِ حتماً سأحترق .