سلوى عبد الرحمن |
أمضت ليلة زفافها الثاني وهي تناجي طَرحتها بالدموع والألم، وفي الصباح طرقتْ الباب فجأة على جارتها (أم أحمد) وعيناها متورمتان من شدة البكاء وطلبت استخدام الهاتف الأرضي للاتصال بوالدتها لتعلمها بأن زوجها (أيمن) تركها وحيدة بعد أن أوصلها من صالة العرس إلى المنزل مباشرة عائدًا إلى زوجته الأولى!
(هالة) ابنة الثامنة عشر من العمر هي الفتاة الوحيدة بين إخوتها الثلاثة، تزوجت أول مرة عندما كانت في السادسة عشر إلا أن مشيئة الله قدرت أن يموت زوجها إثر إصابته بشظايا قذيفة ألقاها الطيران الحربي في أحد أحياء المدينة وهي مازالت في الشهر الأول من زواجها لتصبح أرملة قاصرة مُعيدةً بتجربتها زواج القاصرات ومآلاته المأساوية التي تجر همَّ الأرملة لدى عائلتها بتزويجها فورًا، بالإضافة إلى ظاهرة عدم تقبل تعدد الزوجات في المجتمع من قِبل الزوجة الأولى على الأغلب.
تقول (أم أحمد) جارة هالة: “لقد أخذ منها زوجها هاتفها الجوال خوفًا من أن تتصل زوجته الأولى بها حيث توعدته بقتلها إن لم يطلقها، الأمر الذي دفعه لهجر الفتاة المسكينة منذ اليوم الأول”.
(أيمن) تاجر أربعيني من أغنى العائلات في المدينة وهو أب لخمسة أولاد، أراد الزواج مرة ثانية لكن زوجته الأولى وأولاده لم يقبلوا بزواجه بل عارضوه بشدة وسعوا لتدميره بشتى الوسائل.
توضح (هالة) سبب الخلاف بقولها: “”لقد وعدني وأهلي بأن يقضي ليلة عندي وليلة مع زوجته الأولى، تبادلت معه مشاعر الحب ووعدني بحياة سعيدة بعد الزواج، ولم أتوقع أن يقفل عليَّ الباب مدة يومين كاملين دون أي وسيلة اتصال مع أحد، عانيت وتحملت الكثير دون أن أشكو لأحد حتى لا تتدمر حياتي وأصبح قصة على لسان الأقارب والجيران”.
بدورها تشرح (لينا) ابنة جارة هالة وهي من عمر هالة: “حاولت مرارًا إقناع هالة بالطلاق ومتابعة دراستها في البكالوريا طالما أنه لا يأتي للبيت وتعيش بفراغ وحزن كبيرين في قصرها الواسع، إلا أنها كانت تصرُّ بأن سعادتها مع زوجها برغم كل الظروف، فأيمن برأيها ما يزال يحبها وسيعود حتمًا كما كان في فترة الخطوبة”.
مرَّت ثمانية أشهر على هذه الحال، وأيمن لا يأتي سوى مرة واحدة كل شهر خفية لدرجة أن الجيران لم يعرفوه بالشكل، فهو يرسل لها كل ما تحتاجه من مستلزمات للمنزل مع أحد العاملين لديه، أو مع أخته وأمه اللتين تصران على إصلاح الحال بين العروسين.
لم تعد هالة إلى منزلها منذ شهرين، وعلمت (لينا) من أحد أقاربها بأنها تطلقت، تقول لينا: “كنت في غاية السعادة حين رأيتها تحمل كتبًا في أحد المعاهد الخاصة في مدينة إدلب استعدادًا لامتحان هذا العام، لم يعد وجهها شاحبًا، بل كانت في غاية الفرح والثقة بنفسها وتحلم بأن تصبح طبيبة”.
أما هالة فقد تلمَّست طريقها مجددًا بقولها: “جميعنا يخطئ ويصيب، وأنا أخطأت حين رأيت مستقبلي وسعادتي في الزواج، كنت أتصور بأن حال الأزواج كلهم كوالديَّ، لكن التجارب التي مررت بها غيرت وجهة نظري، لن أتزوج لأملأ فراغ رجل ثري لم ينضج عاطفيًا وفكريًا، ولأنني أستحق الحياة سأتابع دراستي”.
بين أرملة ومطلقة مرت أربعة أعوام قلبت حياة هالة رأسًا على عقب، من طفلة مدللة تنعم بالرفاهية إلى امرأة مطلقة وهي ماتزال في مقتبل العمر حالها كحال قاصرات كثيرات أودت بهنَّ ظروف الحرب إلى أرامل ومطلقات.