حدثني فقال:كنت يا صاحبي في ما مضى أعيش ضمن وهمٍ كبير، أشعر به بالتفوق والتميّز، أشعر أني أصلح لأن أكون قائداً أو ملهماً، ولكنّي اكتشفت فيما بعد أنني ذلك الأعور الذي يباهي بنظره بين حشود العميان، فيصبح مرشدهم وأفضلهم، بل ويهتفون له بأنه صاحب الرؤية الثاقبة حيث لاتصل مدارك ابصارهم.نعم لقد كانت صفعة قاسية وأنا اتباهى بما أملكه بين جموعٍ من المبصرين الذين لم أعرف أنهم كذلك إلا عندما وضعوا أمامي ما رأوه بعينهم الأخرى، ذلك الذي كنت عاجزاً عن رؤيته، كان نوعاً من الذل شعرت به يتخطّفني ثم يرمي بي في مكانٍ سحيق .في البداية لم يكن الاعتراف سهلاً، لقد اتهمت أولئك المبصرين بأنهم لا يدركون شيئاً، وبأنهم حمقى، قلت لهم: تعالوا وانظروا إلى جمهوري الكبير، إلى الناس الذين يؤمنون برؤيتي ويخلعون عليّ ألفاظ التميز والتفوق، أنتم مجموعة من الحاسدين، لأنني تفوقت عليكم بعين واحدة، استطعت أن اتغلب على ذكائكم وانجازاتكم وعملكم بمواهبي فقط، لا أريد نصحكم، سأعود إلى حيث مجتمعي الذي يعرف قيمتي جيداً، أما أنتم فلستم إلا مجموعة من المحبطين الحاسدين وأنا افضل منكم اعترفتم بذلك أو لا.الآن .. وقد أبصر من أبصر، وغادر من غادر، أشعر بأني كنت مغفلاً كبيراً، لا يعرف قيمة الحياة والتجارب، أصبحت أنا الأعمى اليوم، وبعد هذا العمر الطويل يصبح صعباً جداً أن تفتح عينيك، إنّه أمرٌ قاسٍ، ولكني أعتقد أنه سيكون أقل ألماً من الاستمرار في العمى .ما يؤلم يا صاحبي كثرة العميان في بلدي وتسلط أصحاب العور، وهجرة المبصرين . المدير العام / أحمد وديع العبسي