بقلم رنا الحلبي
نفح الشذى والطيب في رمضان الحبيب، ذلك الشهر المبارك هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، وقد حباه الله عزَّ وجلَّ بالبركات والنفحات الإيمانية ما جعله شهرا مميزا عند المسلمين عن سائر شهور السنة، ففيه عبادات عظيمة كالصيام والقيام وقراءة القرآن والإكثار من الذكر والدعاء عند الإفطار، فهو الشهر الذي نزل فيه القرآن في أعظم ليلة من ليالي السنة ألا وهي ليلة القدر العظيمة التي تتنزل فيها الملائكة والروح بإذن ربها الملك، وقد أمر الله تعالى باغتنام هذه الأوقات المباركة.
لكن معظم الناس قد غفلوا وشغلوا أنفسهم ببعض الطقوس الشعبية الخاصة التي من شأنها ضياع أوقاتهم بما لا يتناسب مع هذا الشهر، ومن أخطر تلك الطقوس ربط شهر رمضان الفضيل شهر العبادات والطاعات بشاشة التلفاز التي تأسر المشاهد وتسيطر على تفكيره ومعتقداته، إذ تعتبر الفضائيات وما تعرضه من مسلسلات مسيَّسة و ممنهجة مصدرا لنشر الفتن والفساد وتشويه صورة الإسلام بتجسيدها لشخصيات تعصبية متشددة، وتصوير المسلمين بالصورة السلبية السيئة ليلمِّع شخصيات حسب مزاجه، فعلى سبيل المثال مسلسل “باب الحارة” الذي حقق انتشارًا واسعًا ونسبة مشاهدة لا يُستهان بها على مستوى الوطن العربي ودخل قلوب العائلات واستحوذ على عقولهم، وها هو يعرض لعامه الثامن وفق خطة سياسية تكتيكية تسعى للسيطرة على عقول المشاهدين وتوجيههم لما يخدم مصالح فاسدة لا تمت لحرمة هذا الشهر بأدنى صلة.
إذ من المخزي والمعيب أن نهدر أوقاتنا في هذه الأيام المليئة بالنفحات الإيمانية والروحانية؛ لنشاهد ما يحتلّ عقولنا ويغيّر مبادئنا وقيمنا الإسلامية العظيمة.
هذا لا ينفي الأثر الإيجابي لتلك الفضائيات، وهنا يأتي دور القائمين على الإعلام، فقد يتوجب عليهم تكريس جهودهم لعرض برامج ومسلسلات دينية رمضانية تعزز قيم العبادة والطاعة وتنمي مبادى الشريعة الإسلامية وتساعد الصائم على أداء صيامه بالوجه الذي يرضي خالقه.
لذا من المفترض عرض قصص تاريخية مهمة تعتمد على مصادر موثّقة تعيدنا إلى أبطال عظماء وتحفزنا لإكمال مسيرتهم للوصول إلى درب الانتصارات والفتوحات، وأيضا ممَّا يتناسب مع هذا الشهر ويستحق أن يعرض طوال ثلاثين يومًا، عرض برامج شرعية تتحدث عن مبطلات الصيام وشروطه وصحته.
فلو سألنا أنفسنا لماذا لا تعرض المسلسلات التاريخية التي نحن بأمسّ الحاجة لها في وقتنا الحالي في ظلِّ ثورتنا المباركة، لوجدنا الإجابة واضحة وضوح الشمس في السماء، إذ وكما نعلم جميعا معاناة الثورة؛ لعدم وجود جهة حاضنة لأفكارها ومطالبها، لكي يتم تمثيلها فنيًا من خلال المسلسلات الهادفة، ومن أسباب عدم التمكن من عرض تلك المسلسلات الإسلامية سيطرة إعلام النظام بكافة أشكاله على القنوات المحلية التابعة لتفكيره الفاسد وتوظيفها بما يخدم مصالحه وسياسته.
نحن بحاجة ماسّة إلى العمل على عرض برامج ومسلسلات إسلامية هادفة في شهر رمضان المبارك على عكس ما يعرض تمامًا من برامج المقالب والسخرية والدراما الهابطة التي تركز على مشاهد إباحية لا يليق بها أن تعرض في سائر الأيام، فما بالك بشهر الرحمة والغفران والعتق من النيران، كعرض نساء شبه عاريات من اللباس ومشاهد أخرى تعرض محرمات كشرب الخمر والرقص واللهو، قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل وهو يؤمن وراءه “بعدا لمن أدرك رمضان ولم يغفر له”.
هذه الفضائيات تقدّم وجبة دسمة كثيرة التوابل للصائم قبل إفطاره، فلا داعي لامتناعه عن الشراب والطعام؛ لأنَّ الغاية من الصيام الحقيقي ليست الجوع والعطش، إنَّما صيام الجوارح والقلب عن كل ما يتنافى مع أخلاقيات وسلوكيات المسلم.
فالصيام من أعظم العبادات وأحبها الى الله تعالى كما ذكر في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي عنه، يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: “كل عمل ابن ادم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به”.
أين نحن من العبادات في رمضان؟ وهل نستحق المكافآت والجوائز في نهايته؟ لنقف وقفة مع أنفسنا ونعيد ترتيب أعمالنا لننهل من فيض نفحات رمضان.
شهر رمضان شهر صلة للأرحام، شهر التسامح وتصفية النفوس من شوائب الحقد والبغضاء، علينا ألا ننسى أنَّ التلفاز آلة ذات حدين، فلنستثمرها بما تسمو به أرواحنا؛ لنرتقي وننعم ببركات هذه المدرسة الرمضانية الربانية.