علي سندة |
عندما تُبنى الأخلاق وتتحكم بكل التصرفات والحركات يعني أن الإنسان هو الباني لها وحاملها، وهو في الوقت نفسه بانٍ بها مجتمعه ونهضته المنشودة.
لا داعي لطول السرد حتى أجيب عن الاستفهامين في العنوان، إذ إن الأخلاق تُنقِذ من الموت بمعناه الحقيقي، وكذلك من أشياء معنوية كثيرة غيره تؤدي بدورها إلى الموت الحقيقي لمن يتخلى عنها، وفي الوقت نفسه تُنقَذ المنظومة الأخلاقية كلها من الموت لو استُعملت من قِبل حاملها، فالأخلاق والحياة تعيشان معًا وتموتان معًا إن حدث خرق للمنظومة، تمامًا كالسبب والمُسبب، أما كيف ذلك فدونكم قصة مبسطة.
“غاص عجوز غريب عن المنطقة وزوجه في مستنقع من الطين حتى ركبهما ومعهما مقتنياتهما الشخصية، وبما أنهما كبيران في السن لم يستطيعا إنقاذ نفسهما رغم محاولاتهما، شاهدهما شاب من بعيد فدخل المستنقع لإنقاذهما نظرًا لفتوته، لكن أول ما فعله أخذ الكاميرا وسُلَّمها الذي اتخذه العجوزان متكئًا لهما، فوضعها خارج المستنقع لأنه ربما أدرك قيمتها بالنسبة إلى العجوزين (معنويًا لما تحويه من ذكريات، وماليًّا لقيمتها) ثم رجع وأخذ الحقيبة التي كانت على ظهر المرأة العجوز ووضعها خارج المستنقع لأنه رأى تلك العجوز تحاول جاهدة ألا تتسخ وتسقط منها (حتمًا فيها كل شيء مهم لاثنين بدا عليهما أنهما سائحان يستكشفان) ثم عاد وبدأ مُحاولاً إنقاذ العجوز عن طريق مساعدته من يده وسحبه لكنه لم يتمكن من إنقاذه، فما كان من الشاب إلا أن تمدد على سطح المستنقع وجعل ظهره للأعلى ليغدو كجسر يطأه العجوز ويعبر من خلاله إلى خارج المستنقع، فاستطاع الخروج بتلك الطريقة، وكذلك فعل مع المرأة. وعند انتهاء الشاب من الإنقاذ قال العجوزان له جزاءً لما فعله لهما: شكرًا لك يا بني، فردَّ الشاب: شكرًا لكما، ومضى كلٌ في طريقه.”
بهذا الفعل الذي قام به الشاب أنقذ عجوزين مُعرِّضًا حياته للخطر ومُمرِّغًا نفسه، غير آبه، بالطين حتى نجح بمهمته التي كلفته بها أخلاقه التي يحملها بصفته إنسان لا رابط بينه وبين العجوزين سوى الإنسانية التي تسمو بالأخلاق الحسنة التي هي فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها، والتي بدورها تجمع كل إنسان، وبالتالي لولا الأخلاق التي حملها ذلك الشاب لمات الإنسان، والمثال السابق خير برهان.
وأما كيف أُنقِذت الأخلاق من الموت، فذلك يتجلى باستعمالها دائمًا خاصة عند الشدائد، فالشاب حين أنقذ العجوزين أظهر وجوب إغاثة الملهوف دون معرفة مسبقة ودون رابط يجمعه معهما، فهو لا يعرف دينهما أو عرقهما ولم يُعطِ اهتمامًا إذا خالفاه بلون البشرة…، وأظهر أيضًا الأمانة (إذ كان بإمكانه أخذ مقتنيات العجوزين بحجة إنقاذها أولاً كيلا تتأذى أثناء الإنقاذ وتركهما في المستنقع) بل إنه أظهر أهم شيء في الأخلاق وهو إحياء الإنسان، فبالأخلاق يحيا الإنسان ويسمو ويتشارك مع الجميع بغض النظر عن الانتماء والعرق والدين، وأظهر أن الأصل في المساعدة عدم المقابل والمُضي دون التفكير بأي شيء مادي، إذ تم الاكتفاء بالشكر لا غير.
نعم، الأخلاق تُنقذنا من الموت في مجتمعنا حين نستعملها في كافة النواحي الاجتماعية، فهي تدخل في العلم والطب والبيع والشراء والقضاء …إلخ، وإن التخلي عنها يؤدي إلى موت المجتمع حقيقة، وهي وسيلتنا في سورية المستقبل للتقدم والرقي والعيش بسلام فيما بيننا ومع المجتمعات الأخرى.
ذلك الشاب قال لنا جميعًا بفعله النبيل: “سنموت جميعًا ويموت معنا وطننا إن لم نحيا بأخلاقنا.”