ترجمة ضرار الخضر
شكّلت الضربة الأمريكية على مقاتلين تدعمهم إيران الأسبوع الماضي في سورية نقلة جديدة في الصراع المتقلب في سوريا مما قد يؤدي إلى مواجهة جديدة على الأرض بين الولايات المتحدة من جهة وإيران وحلفائها من جهة ثانية.
وحتى ضربة الأسبوع الماضي تمكنت الولايات المتحدة وإيران من تجنب مواجهة مباشرة في العراق وسوريا، حيث ينتشر لكل منهما مئات المقاتلين على الأرض ضمن قوات محلية، ففي العراق لديهما عدو مشترك هو الدولة الإسلامية، أما في سوريا يخوض الطرفان حربين مختلفتين: القوات الجوية الأمريكية والقوات الخاصة تهاجم مقاتلي الدولة الإسلامية، بينما تدعم إيران النظام السوري ضد قوات المعارضة.
لكن مع تراخي قبضة الدولة الإسلامية على المناطق التي تحكمها يتزايد التنافس بين الولايات المتحدة وإيران كل مع حلفائهم للسيطرة على المناطق الرئيسية على امتداد الحدود العراقية السورية.
في 18 من أيار ضربت غارة للولايات المتحدة رتلاً للمقاتلين الشيعة الموالين لإيران الذين لم يستجيبوا للتحذيرات بالابتعاد عن قاعدة التنف؛ قرب الحدود العراقية الأردنية التي تستخدمها القوات الأمريكية والبريطانية الخاصة لتدريب وحدات محلية لقتال الدولة الإسلامية، لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها الولايات المتحدة الميليشيات التابعة لإيران في سوريا، وبعدها بأيام عادت تلك الميليشيات إلى تلك المنطقة، وقال البنتاغون يوم الثلاثاء إن الطيران الأمريكي حذّرهم بوضوح تام للابتعاد.
وقلل ضباط أمريكيون من أهمية هذه الحوادث، قائلين إن الضربة لم تكن سوى حماية للقوات الأمريكية الخاصة في جنوب شرق البلاد، وقال ضابط رفيع طلب عدم ذكر اسمه: “إن ما حدث لا يعني أي تغيير في الاستراتيجية”.
وفي عهد كل من الرئيس ترامب وقبله أوباما تركزت الاستراتيجية الأمريكية على هزيمة قوات الدولة الإسلامية في ميدان المعركة واستنزافهم في كل المناطق في سوريا والعراق، وباستثناء الضربة الأمريكية الصاروخية على قاعدة جوية سورية الشهر الماضي التي جاءت رداً على استخدام السلاح الكيميائي فقد اختارت الولايات المتحدة عدم الدخول في مواجهة عسكرية مع نظام بشار الأسد أو أي من رعاته؛ إيران وروسيا.
وبعد إجبار الدولة الإسلامية على التراجع في معظم مناطق شمال شرق سوريا قرر القادة الأمريكيون طرد مقاتلي الدولة من معقلهم الأخير في الرقة، وبدأ مقاتلون أكراد وعرب بتطويق الرقة، وبمجرد سقوط المدينة يأمل الضباط الأمريكيون بمطاردة داعش في شرق محافظة دير الزور ووادي نهر الفرات حيث لا تزال الجماعة متواجدة بقوة.
لكن إيران تشعر بالانزعاج المتزايد من وجود القوات الأمريكية الخاصة في جنوب سوريا، ومن تقدم القوات الكردية والعربية في الميدان، فإيران متحمسة لتأمين طريق إمداد يربط طهران ببغداد ومنها إلى سوريا ولبنان، وادعى الإعلام الحكومي الإيراني أن القوات الأمريكية متواجدة في المنطقة الحدودية لتقطع أي طريق إمداد لإيران.
وفي ردها على هذه التواجد الأمريكي نشرت إيران الآلاف من المقاتلين الشيعة الأفغان والعراقيين، كما أرسلت خلال الأسابيع الأخيرة 3000 من مقاتلي حزب الله اللبناني إلى المنطقة الجنوبية الشرقية بين التنف ودير الزور، حسب وكالة فارس للأنباء التابعة للحرس الثوري الإيراني.
ونشرت وكالة فارس قبل ساعات فقط من الغارة الأمريكية: “تم نشر قوات من حزب الله في منطقة التنف لإعداد الجيش السوري وحلفائه لمواجهة المؤامرات الأمريكية في المنطقة ولتأمين طريق بغداد تدمر”، كما يمكن أن تكون هذه القوة بمثابة قوة فصل لتمنع المقاتلين الذين تدعمهم الولايات المتحدة من التقدم شمالاً نحو التنف.
يأتي التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران في سوريا في وقت تتزايد فيه حدة خطاب الرئيس الأمريكي الموجه إلى إيران، ففي خطابه هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية، وصف ترامب إيران بأنها مصدر للتخريب والفوضى ودعا دول المنطقة إلى تشكيل جبهة موحدة ضد إيران، كما وعد ترامب بتبني موقف معادٍ لطهران، فالبيت الأبيض ما يزال يعيد النظر في سياسته نحو إيران والإدارة لم تفصح عن الأهداف الأمريكية على الحدود السورية العراقية.
وصرّح روبرت فورد السفير الأمريكي السابق للولايات المتحدة في سوريا –وهو الآن زميل في معهد الشرق الأوسط- : “ليس واضحاً لي بعد إن كانت الإدارة وضعت استراتيجية مفصّلة لإدارة تواجدها وتواجد حلفائها شرقي سوريا، إن لم تكن الإدارة حَذِرَةً فستنزلق إلى منحدر قاسٍ، يبدو أن هنالك نذر صراع جديد”.
وكانت إدارة ترامب قد أعطت تفويضاً للجيش الأمريكي لنشر 1000 جندي معظمهم من القوات الخاصة في سوريا، موزعين على عدة نقاط في الشمال الذي يسيطر عليه الأكراد وعلى قاعدة مشاة البحرية قرب الرقة وفي التنف جنوباً، وتفصل بين هذه النقاط مئات الأميال من الأراضي التي تخسرها داعش بشكل مطرد ويرى النظام وحلفاؤه الإيرانيون هذه الأراضي مناطق ملائمة ليعيدوا سيطرة الحكومة السورية عليها.
وتنظر الولايات المتحدة بعين الريبة والحذر للميليشيات، فقد نقل أحد المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية لوكالة الأنباء الفرنسية إنهم رصدوا هذه الميليشيات تتقدم شرقاً نحو دير الزور حيث تحتفظ الحكومة بنقاط عسكرية كبيرة معزولة، وهذه المنطقة مقطوعة عن المناطق الأخرى للنظام ولا يمكن إمدادها إلا عن طريق الجو، لكن تم تعزيزها بنحو ألف جندي سوري مؤخراً، مما أعطى النظام في دمشق بعض القدرة القتالية في المنطقة.
ويتوقع القادة العسكريون الأمريكيون أن تنسحب داعش إلى وادي نهر الفرات الذي يصل الرقة بالحدود العراقية، وكان طيران الولايات المتحدة والتحالف قصف أهدافاً لداعش في الوادي لشهور، ونفّذت الولايات المتحدة المزيد من الغارات في هذه المنطقة هذا الأسبوع.
ورغم الغارات التحذيرية الأمريكية هذا الأسبوع فقد بقي أفراد الميليشيات الموالين لإيران في المنطقة قرب التنف، وصرّح النقيب جيف دافيز المتحدث باسم البنتاغون يوم الثلاثاء: “إن واصلوا تقدمهم فإن التحالف سيهزمهم”.
وأضاف مسؤول آخر: “نفهمهم جيداً، فهم يريدون مواصلة التحرك شرقاً نحو دير الزور ونحن نتابعهم”.
وعند بلوغ القتال وادي الفرات في دير الزور، ستتزايد مخاطر الاشتباك غير المقصود، فقوات الجيش الحر التي تدعمها الولايات المتحدة تتحرك من الجنوب، والقوات الكردية مع قوات سوريا الديمقراطية تتقدم من الشمال والغرب، بينما تحاول الميليشيات الموالية للنظام الاندفاع إلى المنطقة، والأجواء تزخر بالطائرات الأمريكية والروسية، مما يثير القلق من أن تشابك ساحة المعركة قد يؤدي إلى حوادث غير مقصودة.
وغالباً ما تعمل الميليشيات التي تدعمها إيران على مقربة من القوات الأمريكية وخصوصاً في العراق، وكان مراسل لوكالة الأنباء الفرنسية زار قاعدة عسكرية أمريكية جنوب الموصل بداية هذه السنة قد رأى خريطة في غرفة العمليات توضّح أماكن الميليشيات الشيعية الرئيسية العاملة في الجوار، كي تميّز القوات الأمريكية ما الجماعات التي تعمل قريباً منها، وفي الكثير من الأحيان في محيط قاعدتها.
في أيلول الماضي قصفت طائرات أمريكية وأخرى للتحالف نقطة صغيرة شرقي سوريا مما أسفر عن قتل أكثر من 60 من جنود النظام السوري في حادث أثار غضب موسكو وسلًط الأضواء على الحال التي تكون عليها ساحة المعركة المشوشة.
وتتحرك القوات الأمريكية على الأرض والمستشارون العسكريون مع قوات محلية صغيرة، مما يبقيهم معرضين لمخاطر الرد الإيراني، فخلال الاحتلال الأمريكي للعراق زوّدت إيران الميليشيات الشيعية بالعبوات الناسفة والصواريخ القاتلة التي فتكت بمئات الجنود الأمريكيين.
ومقدّما زادت الميليشيات العراقية التي تدعمها إيران من دعايتها ضد الولايات المتحدة في العراق، متهمة واشنطن “بمساعدة الدولة الإسلامية بهدف الضغط على حكومة بغداد لطرد القوات الأمريكية التي تقدم المشورة العسكرية للقوات العراقية في الموصل وسائر البلاد”، وفقاً لما كتبه أحمد مجديار مدير معهد الشرق الأوسط في إيران، مضيفاً: “إن أي رد من إيران لن يكون مكافئاً للاعتداء، ويمكن أن يأتي في أماكن مثل العراق”.
صحيفة: فورين بوليسي
الكاتبان: دان دي لوس وباول ماكليري