بقلم: عائشة الكرمو
“ادخل بني بسرعة، الطيارة في السماء، هذا ليس وقت اللعب لقد خرقوا الهدنة، وعلى ما يبدو لن نرى العيد أبدا ” دخل الطفل باكيًا، هذا ما سمعته ورأيته من أحد الآباء في مدينة حلب في العيد الماضي، فأشجن فؤادي هذا الموقف، لما يعيشه أطفالنا في هذه الحرب التي تكالبت فيها يد الطغيان على حرق فرحة الأطفال، وسرقة البسمة من شفاههم في الأعياد.
ها هو رمضان يودعنا ليأتي العيد من جديد مع الفقر والحرمان والغلاء والذعر، فهل أطفالنا سيعشون العيد هذه المرة؟ أم سيعيشون بقايا عيد؟ مواقف مريرة دفعتني لأصور معاناة الأطفال وألتقي مع الكثير منهم.
فقد أجابني أحد الأطفال خلال لقائي معه:” ليش في مكان آمن لحتى ألعب؟ أو بخلو حدا يلعب بحاله؟ ” كلمات تصدم وجدان الإنسانية، وتهشم ببراءتها طغيان أناس يبيضون حقدًا ودمارًا، لقد تبين لي من آراء الأطفال أنَّ هؤلاء الطغاة الذين يمشون في طريق الضلالة تتعلق في أعناقهم أوزار الأطفال الذين حرموا خمس سنوات مقبلين على السادسة من لعب دورهم كأطفال دون مسلسل، حيث سلبت هذه الحرب مروجهم الخضراء، فلم يبق منها إلا أرضًا حفرتها القذائف، ودمرت الدبابات أراجيحهم، فلم تترك منها إلا آثارًا، وطفولتهم المفعمة بالبراءة والحنان ملأتها مأساة ومعاناة.
ومما زاد في الطين بلة، وقوف الأهالي في وجه أطفالهم مع رجال الحرب، ولكن بصورة مغايرة تمامًا، فرجال الحرب يسلبون من الأطفال فرحتهم وكل شيء جميل، وفوقه حياتهم، أمَّا الأهالي يردعونهم من الخروج إلى الشارع، واللعب فيه خوفًا وحرصًا عليهم من الموت المحدق على عتبات أبوابهم، هذا الشارع هو المكان الوحيد الذي بقي للأطفال ليمارسوا نشاطاتهم فيه، حيث اعتاد الطفل في حياته أن يعيش في إطار مملوء بالألوان والفرحة، دون أن يميز بين مهرج السيرك الذي يرفهه باللعب مع الأرانب وألعاب الخفة والمفرقعات، وبين مهرجو الحروب الذين يتسلون ويتلذذون برمي القنابل الفوسفورية والحرارية وقنابل النابلم بشكل بهلواني ، ليقتلهم بها أو يزرع الرعب في أنفسهم فيقتل بذلك فرحتهم.
وما يزيد معاناتهم معاناة أخرى حرمانهم من ملبس العيد، وهدايا العيد (العيديات)، يقول أحد الآباء: “ما حسنت أشتري ملابس عيد ولا هدايا متل قبل، وإذا حسنت أشتري ملابس وهدايا ما فيني أشتري للكل بهذا الوضع” أثارتني كلماته، ودفعتني لأتمادى معه بالأسئلة القاسية التي تدمع عينيه، ألا تعمل وتجني المال؟ فلماذا لم تشترِ لهم الملابس؟ فأجابني بكبرياء والدمعة تفضح سره: “ههههههه ضحكتيني يا أختي، إذا كل الي عبتأمن معي آخر الشهر 25000ألف ل.س، والدولار آاااخ من الدولار الي عمل الأسعار نار، يعني ما بتكفينا حق أكل، كيف بدك أشتري ملابس عيد وخلي ولادي جوعانيين؟!” أضحكني وأبكاني في نفس اللحظة، فيالا هذا الظلم الذي جعل المواطن السوري يُحرم من أبسط الأشياء، ويَحرم أبسط الأشياء عن أطفاله، فلقد استطاع الدولار أن يشترك في الحرب ما أدى إلى حرمان الأطفال من فرحتهم بالملابس الجديدة التي اعتادوا على ارتدائها ابتهاجًا للعيد في كل مرة.
حقيقة مرة يتناولها صغار حلب وكبارها بقدوم كل عيد بدلًا من حلوياته ومعجناته في هذه الأيام، فالعيد الذي كان يقدم الفرحة والبهجة للناس باجتماع الأحبة والأقارب والألوان الزاهية والألعاب أصبح اليوم يأتي إليهم فاتحًا للجروح، كاشفًا لخبايا المعاناة، فاضحًا لأدمع الأطفال، يأتي العيد ملطخًا بدماء الأبرياء.
هذا هو حال الصغار في حلب التي ملئت دمارا على يد الطغاة الكفار الذين عاثوا في الأرض فسادًا.