زهير صبا
عندما ذهبت المعارضة السورية إلى أستانة، كان في جَعبتها هدف واحد، وقف كامل لإطلاق النار، وتشكيل آلية لتنفيذه، لكن ثعلب ومهندس الدبلوماسية الروسية لافروف كان له رأي آخر بحيث فاجأ وفد المعارضة والمجتمعين بتسليم المعارضة عدة أوراق مطبوعة للاطلاع عليها واعتمادها لتكون دستوراً لسورية المستقبل، طبعاَ رفضت المعارضة استلامها وحسناً فعلت، ليتم تسريبها من بعض الإخوة الأكراد، وقد تبرأت المعارضة منها ومن البيان الختامي للمؤتمر الذي صاغته الدول الراعية ولم توقع عليه، انتهى مؤتمر الأستانة دون تحقيق أي نتائج تذكر، فالجعفري وكعادته بدأ بالتشبيح وكيل الشتائم ولم يستثنِ حتى الإخوة الكورد كأنَّه أتى إلى أستانة لاعتقال وفد المعارضة.
المفاوضون الروس والإيرانيون لديهم الخبرة في اللف والدوران وشراء الوقت كونهم ليس لديهم النية الصادقة والجادة لإنهاء الأزمة السورية، كان هدف الروس من أستانة فرض دستور جديد لسورية تمَّ صياغته في المطبخ الروسي مع كأس الفودكا، تضمن ما يسمى بالدستور الروسي ستة فصول، كلُّ فصلٍ يحوي على عدة مواد، وكل مادة تحوي على عدة بنود بمجموع ٨٥ مادة، فهو لا يختلف عن دستور بريمر بالعراق، لذلك سوف نطلق عليه دستور لافروف في سورية المحتلة التي تهدف من ورائه إلى التحكم بمستقبل سورية خاصة في شكل الحكم، والخطير في دستور لافروف إزالة كلمة العربية من الجمهورية العربية السورية، هنا نتوجه بالسؤال إلى الأحزاب ومدعي القومية العربية ومؤيدي السياسة الروسية في سورية، هل توافقون على هذا البند ؟! الأخطر من ذلك بند بقاء رأس النظام في الحكم لمدة ١٨ عاماَ قادمة.
كما هو معروف للجميع الانتخابات الرئاسية التي تجري في سورية وغيرها من الدول التي يحكمها الطواغيت والديكتاتوريين معروفة النتائج مسبقاً، حيث تصل النسبة فيها إلى مئة بالمئة، حتى الأموات يشاركون في التصويت، كيف يمكن إجراء انتخابات شفافة ونزيهة مع عدم وجود منافس و أحزاب لتخوض الانتخابات؟! سورية لا يحكمها دستور، فمنذ أن استولى حزب البعث على السلطة فيها، أعلن عن تطبيق قانون الطوارئ الذي مازال ساري المفعول حتى يومنا هذا، ليتفرد الرئيس بالحكم المطلق، ويسيطر على السلطات الثلاث في سورية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعندما سأل أحد الصحفيين الغربيين رأس النظام هل الشعب يحبك؟ أجاب: لا أريد منهم أن يحبونني، أريدهم أن يخافوا مني.
النظام ومنذ اليوم الأول للثورة السورية، وضع لنفسه خياران لا ثالث لهما، إما أن يبقى في الحكم ويعود كل شيء كما كان قبل ٢٠١١ – وهذا مستحيل- أو ألا يكون هو ولا سورية ولا شعبها، وقد اعتمد هذا الخيار، فباع سورية لروسيا وايران، لكن دخول الحمام لا يشبه الخروج منه، تورطت روسيا في سورية، وهي الآن تسابق الزمن لإيجاد مخرج تحفظ به ماء وجهها الأصفر، فبعد فشلها في أستانة أخرجت الورقة البديلة، فدعت مجموعة من الأشخاص الذين لا يمثلون إلا أنفسهم والمحسوبين على موسكو والنظام للقاء في موسكو لاستعمالهم كورقة بديلة للمعارضة الوطنية السورية الحقيقية، فبعض الذين ذهبوا إلى موسكو لم تقدم لهم كرسياً للجلوس عليه، ظلوا واقفين بذلة ومسكنة وتألم، فهؤلاء هم الذين يستميتون بالدفاع عن روسيا ومشروعها في سورية، فلو كانت روسيا جادة وتحمل نية صادقة تجاههم لأكرمتهم بالطلب من النظام بوقف القصف، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، وإخلاء سبيل النسوة المعتقلات، بذلك ترفع من رصيدهم وأسهمهم في أعين الشعب السوري، لكن هيهات هيهات أن تفعل ذلك، على النقيض من ذلك في بداية عام ٢٠١١ زرنا وزارة الخارجية الاسترالية بكنبرا، والتقينا بوزير الهجرة كريس الذي أكرمنا بألف فيزا للسوريين، وأعلن عنها في جلسة البرلمان، شكراً استراليا.
روسيا تريد تأجيل مؤتمر جنيف كون طبختها لم تنجز بعد، ولم يصحو طباخها من تأثير الفودكا ليخرج علينا دي ميستورا معلناً بأن المؤتمر سيعقد بالتاريخ المحدد له الثالث والعشرين من شباط فمن نصدق؟
أخيراً ليعلم الجميع بأنَّ الذي علَّم البشرية الاحرف قادر على كتابة دستوره بعد أن يتهيأ الظرف والمناخ المناسبان، ولا حاجة لنا بوصي ليكتب دستوراَ لنا، فالدكتور مصطفى السباعي رحمه الله كان أحد أبرز الشخصيات التي كتبت دستور سورية عام ١٩٥٠، نحن لا نحتاج لمن يكبلنا بدستوره، فالشعب الذي ذاق طعم الحرية تحت القصف والدمار والقتل والسجن والتشريد، لن يعود أبداً إلى المزرعة وشريعة الغاب.