أتى أمرُ الله لخليله، ففُتح فؤاد نبينا إبراهيم عليه السلام على مصراعيه وأمسك وتمسَّك بأمره جلَّ جلاله مابرحت أواصر همته تحاول الإمساك بكل جانب وضّاء من أمر ربّ الأرباب، فعلا وتعالى حِرصه على إتمام الأمر وتمايزت قوة همّته حتى
صدح (وأنا أول المسلمين) من الحرص على تمام الفعل، والقوة على أدائه، واستمرارية الإيمان فيه، وصولاً إلى حبّ العمل والشغف بتفاصيله، فكانت الأولية سبيلاً اتخذه خليل الله، إبراهيم عليه السلام، درباً مُعبداً بالعزيمة ومرصوفاً بالتحديات، حيث إن النزعة الأولية لا يصحُّ أن يكون طريقها محفوفاً بالورود، بل هي ومضة من نور تُلقى في ألباب قوم العزائم وأهل الهمم وأصحاب الأرواح السماوية، الذين لن يهنؤوا إلا إن تقدموا وتصدروا وتبارزوا فتنافسوا ومن ثم نالوا مرتبة الأولية.
الأولية في الإسلام مُجاهدة وكفاح ومكابدة ووصول فحصول على ثمرة التدافع الذي يتجلى ظاهراً بأفعال المرء، حيث يكتسي أسلوب حياته حلة الصدق والمسارعة بالفعل والشغف بالعمل.
الأولية بداية التغيير وأولى خطوات تطبيق خريطة الوعي التي أُودعت في ألباب أهل التغيير، فلمَّا نضجت فاح عبيرها فِكراً يتجول بأروقة روح تُحاذر وتحذر وتنأى بذاتها النورانية عن أودية الغلو والإرجاء وتسير على جسر الوسطية لتتربع على عرش الأولية، حيث تكمن حقيقة التغيير و منتهى إعمال الأثر في المجتمعات وتحوير الاتجاه من الميل إلى الاستقامة ومن الاستقامة إلى القوة التي لا وهن بعدها، فهي مُدعمةٌ بالحرص على البناء ومتينةٌ بأسسها الإسلامية النبيلة لا يشوبها فتور أو خمول، وكيف يخالطها ضعف وقد حيكَ نسيجُها من خيوط القوة المعنوية فما تلبث بضع تحديات إلا وتكون قد اكتست ثوب التغيير حُلةً تُضيء بواعث النفوس ليتميز و يتمايز من أصاب منه خلق الخليل مبلغاً كبيراً فتصدر قومه
واتخذ (الأولية) سبيلاً له، فمن الوعي إلى الأولية بالفعل وصولاً إلى نِتاج التغيير ونضوج الفكر وحداثة الأسلوب، فالفرد الذي صُقِلت نفسه بالتحديات ومرت بالعوائق وتجاوزت الصعوبات ولم تبالِ بالنوائب والمصائب، واستعانت على المسير بأنها لله تمضي لا لسواه، أُلقي في جنبات تلك الروح السماوية ومضة الأولية ليكون الفرد اللبنة الأولى لحقيقة التغيير المتمثّلة بالفرد المنافس لذاته، المتفوق على طموحه، الأول في فعله وإن سبقه غيره فهو الأكثر إتقاناً.
قوله (وأنا أول المسلمين) عبارة حطَّمت الأوثان وعلا أمر الله ودخل الناس أفواجاً في دين الإسلام ليكون منهم المسلم والمؤمن والمنافق، لكن من أحدث التغيير وحقق المحال وأنجز الأمر الرباني وأوصل السفينة إلى مرفأ الأمن لن يكون إلا أول المسلمين.