تقرير : عمر عربطوت مدينة حلب صفحة من ماضي الحضارة الذي كانت تحتضنه ومن حياة كانت يملؤها الأمان والعمل، وفتحت دفترًا من المآسي والهموم التي جرتها الحرب الدائرة عليها، حربٌ فرضت نفسها على الناس بكافة أساليبها المؤلمة والموجعة من موت وجوع ونزوح وحصار ليكون الفقر نتيجة كل ذلك بين الناس الذين لم يعد لديهم حول ولا قوة.أحياء حلب التي كانت تضجّ بأصوات الناس وحركاتهم باتت الآن شبه خاوية إلا من آثار الدمار ومخلفات القصف، وذلك النشاط اللامتناهي في العمل ومختلف نواحي الحياة تحول إلى ركود، فلم تعد تسمع سوى أصواتِ الاشتباكات والقصف بكافة أنواعه، ومع ذلك فإنّ المواطن يحاول جاهداً الخروج والحصول على عمل يؤمن قوت يومه وطعام أطفاله.تتجه في مدينة حلب شرقاً باتجاه أحياء المرجة وقاضي عسكر والجزماتي لتجد أحياء قد مسحت عن الأرض برمتها تماماً، ومعظم سكانها قد نزحوا عنها، أما أحياء مساكن هنانو والإنذارات هي أيضاً نالت نصيبها من القصف والدمار وتهجير السكان، فما زالت تعاني من حملات مكثفة من القصف والاشتباكات لقربها من خط الجبهة الأمر الذي أدى إلى نزوح المئات من العائلات هناك، كما أدى إلى انتشار ظاهرة السرقة في البيوت والمحلات.حال الأحياء الأخرى لم يكن أفضل ، فأحياء السكري وتل الزرازير والمشهد وصلاح الدين مازالت ترزح تحت وطأة القصف المتواصل والفقر الشديد الذي يعم جميع المناطق، إضافة إلى محاولات النظام المتكررة الهجوم والتقدم من جهة حي العامرية أيضاً.أحداث ووقائع متواصلة في ظل أزمة لم يعرف مصيرها، أزمة خلفت الكثير من المشاكل والصعاب سواء على الصعيد الإنساني أو الاجتماعي وغيرها، فغارات الطيران الحربي والمروحي المتواصلة كفيلة لوحدها بهدم وتدمير البشر والحجر وتعطيل كامل مقومات الحياة حيث أن مدينة حلب من بعدما كانت عاصمة الاقتصاد والحضارة أصبحت الآن العاصمة الأولى في حملة البراميل وأصبح اقتصادها في وضع متدن جداً يرثى له، وأحياؤها الأثرية باتت خرابا، أما مناطقها فأصبحت موحشة منكوبة، إضافة إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمرافق العامة من مشاف ومراكز صحية وغيرها نتيجة استهدافها من قبل النظام.وللماء والكهرباء والدواء والغذاء قصة وقضية أخرى في المدينة فاستهداف الطيران المتكرر للأحياء سبّب أضرارًا متعددة في الأسلاك الكهربائية لأحياء من المدينة، وتضررت البينة التحتية ، كأحياء بستان الباشا التي لم يصل إليها الكهرباء منذ أربعة أشهر ، وإن سرقة الكابلات الكهربائية كان لها أيضاً دور في أزمة حقيقة لمختلف الأحياء التي نزح أهاليها.وفي الجانب الإنساني الآخر الذي يعتبر مفقودًا بالدرجة الأولى للأحياء الخاضعة تحت سيطرة النظام والثوار انقطاع المياه ويأتي ذلك لأسباب متعددة أوله قصف خطوط وأنابيب المياه الرئيسة التي تغذي الأحياء ببعضها كتعرض خط سليمان الحلبي للقصف من الطيران وانقطاع المياه عن أجزاء من حلب القديمة لمدة أربعة أشهر متتالية.كما أن الانقطاع المتكرر للمياه عن المدينة لمدة تتجاوز العشرة أيام أحد أسباب مشاكل انتشار أمراض لم تكن شائعة نتيجة شرب المياه الملوثة وانتشار حالات كثيرة من القمل والجرب في عدة مناطق من أحياء الشعبية كأحياء السكري والفردوس والمرجة.ولو فتحنا صفحة المجال الصحي والطبي للمدينة الذي يعتبر النواة الإنسانية التي تخدم المدنيين رغم الإمكانيات المحدودة وجدناه على حافة الانهيار نتيجة نقص الكادر الطبي ذوي الخبرة ونزوح معظم الأطباء ونقص حاد في الدواء المطلوب.حلب من مهد الحضارة إلى حلب الهامدة تحت وطأة القصف سوف تلملم كل جراحها وتطوي آلامها بدماء شهدائها وعرق شبابها الذي سيرسم طريقاً جديداً لمستقبل أفضل ويمحو ألم كل مواطن ينام ويستيقظ على حلم تأمين عمل يجلب لقمة عيش لأطفاله ولحظة دفء، كل ذلك سيصبح واقعا قريب المنال، فمهما فقد المواطن حقه في تأمين الحياة الرغيدة سيبلغها عاجلا أم آجلاً وسيعيد كلّ فردٍ فيها إعمار وإصلاح ما تهدم، وسيكرم ذلك المواطن بوسام الصبر والصمود الذي لم يستحقه أحد قبله، سيستحقه كل من ضحى من الكبار والصغار والرضع والشيوخ وكل من يسري في عروقه حب حلب وعشقها.