في ظل تنامي اللغط في صفوف المعارضة حول نية الائتلاف تقديم تنازلات محورية في مفاوضات جنيف؛ يبدو أن المجموعة المحسوبة على سيف باتت بحاجة لأكثر من تقديم بيانات تنفي فيها تلك الحقائق؛ فقد نشرت عدة مواقع إخبارية سورية وثائق مسربة للوفد التقني بمدينة لوزان (6-7 يوليو 2017) تتضمن خمسة عشر نقطة تم طرحها كقواسم مشتركة يمكن البناء عليها “بين الطرفين” للانتقال السياسي، ولوحظ تفاديها لجميع المسائل الأساسية التي قام عليها بيان جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة، بما في ذلك: مغادرة بشار وزمرته، وإنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وإصدار إعلان دستوري مؤقت، وتشكيل حكومة انتقالية، وتفكيك وإعادة تشكيل المؤسسات القمعية، وتطبيق مفاهيم العدالة الانتقالية.
وربطت بعض المصادر تلك المخرجات بالمبادرة التي استبق فيها رياض سيف ترشحه لرئاسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وقوبلت آنذاك بكثير من الانتقاد في أوساط المعارضة ولذلك لتضمنها بنوداً مثيرة للجدل أبرزها:
1- القبول بدور إيراني في فترة أطلق عليها: “مرحلة الإعداد لما قبل الفترة الانتقالية”، حيث اقترحت المبادرة تشكيل لجنة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، تضم إيران، وروسيا، وأمريكا، والصين، وتركيا والسعودية ودولاً أخرى، في حين ترفض المعارضة السورية السياسية والعسكرية أي دور لإيران في الحل السوري.
2- التعامل مع بشار الأسد على أنه رئيس لسوريا، خلال “مرحلة الإعداد لما قبل الفترة الانتقالية”، حيث اقترحت المبادرة انتقال هيئة الحكم الانتقالي لدمشق بضمانة دولية، وأن يصدر بشار الأسد مرسومين، الأول حل مجلس الشعب الحالي، والثاني نقل كافة الصلاحيات الرئاسية للمجلس الانتقالي، متنازلاً بذلك عن موقف المعارضة الرافض للتعامل مع الأسد على أنه رئيس كوضعه السابق قبل بدء الثورة عام 2011.
3- تجاهل العدالة الانتقالية، فالمبادرة لم تتطرق إلى محاسبة المجرمين في نظام الأسد والقتلة من جيشه وفروع مخابراته، أو حتى الميليشيات التي ساندته، كما أنها لا تنص على محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المعتقلين، بل تعتبر أنه: “من حق أي سوري أن يرشح نفسه لعضوية المجلس الانتقالي”، متجاهلة بذلك شروطاً سابقة للمعارضة برفض وجود شخصيات من النظام الحالي.
4- الموافقة على بقاء الحكومة القائمة -المنصوص عليها في المبادرة- كحكومة تصريف أعمال.
وأبدى معارضون خشيتهم من أن يبادر الوسيط الأممي إلى اعتماد النقاط الخمسة عشر بديلاً لمرجعية جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة، خاصة وأن الورقة تتجاوز مصير بشار الأسد، وتستبدل مفهوم إنشاء هيئة حكم انتقالي بالحديث عن “الحكم الانتقالي”، ولا تعترف بمرجعية القرارات الأممية إلا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وتستعيض عن العدالة الانتقالية بمفاهيم “منع الانتقام والتمييز والتعويض والجبر والرعاية”، متسائلين إن كانت الهيئة العليا للمفاوضات ستتنازل بالفعل عن مرجعية “بيان جنيف” والقرارات الأممية ذات الصلة لصالح مفهوم “التوافق” كما ينص البند الخامس عشر.
وعلى الصعيد نفسه؛ لاحظ مراقبون أن ورقة “الجدول الزمني وعملية صياغة واعتماد الدستور الجديد” قد أغفلت بصورة مطلقة إشكالية الفراغ الدستوري الذي يمكن أن يقع في بداية المرحلة الانتقالية ريثما يتم صياغة دستور بديل، وما يقتضيه ذلك من ضرورة التوافق على بيان أو مبادئ دستورية مؤقتة يمكن العمل بمقتضاها ريثما تنتهي عملية صياغة الدستور وإقراره والتصويت عليه، مما يعني موافقة ضمنية بالعمل وفق دستور النظام في المرحلة الانتقالية ريثما تتم صياغة دستور بديل والتصويت عليه في غضون المرحلة الانتقالية.
وتتحدث المصادر عن توجه سابق لمعظم أعضاء الهيئة برفض مخرجات الوفد؛ إلا أن الزيارة المفاجئة للجبير لمقر الهيئة (3 أغسطس) ومن ثم زيارة رئيس الائتلاف للرياض (9 أغسطس) وما تزامن معها من تسريبات حول تغير الموقف السعودي قد رجح إمكانية تنفيذ رئيس الائتلاف الحالي تعهدات سابقة أطلقها قبل تولي منصبه بإمكانية بقاء بشار الأسد ضمن حل يتضمن التوافق على فترة أطلق عليها “مرحلة الإعداد لما قبل الفترة الانتقالية”!
و يثور القلق في أن يسهم نفوذ سيف لدى وفد الهيئة في إيجاد مخرج لشرعنة بقاء الأسد من خلال استحداث مرحلة جديدة تمتد لفترة كافية تسمح بتنفيذ التوافقات الدولية حول بقاء بشار، وتتماهى في الوقت نفسه مع التوجهات الإقليمية الجديدة التي يمكن أن يسفر عنها مؤتمر الرياض (2).
وفي مواكبة للتطورات الجارية، أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا (17 أغسطس 2017) عن تأجيل المشاورات الفنية مع المعارضة السورية التي كانت مقررة في شهر أغسطس الجاري، وذلك بهدف تمكين المعارضة من التوصل إلى رؤية واضحة لخوض الحوار، ورجح أن يكون شهر أكتوبر حاسماً في “الأزمة السورية”.